أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

الشهيد علي فرج / سبعيني، قاتل بشراسة في معركة المالكية و احتضنه تراب بنت جبيل

الأربعاء 15 أيار , 2013 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 21,234 زائر

الشهيد علي فرج / سبعيني، قاتل بشراسة في معركة المالكية و احتضنه تراب بنت جبيل

 وكان إلى جانبه مقاوم عجوز من بريتال، وسكان «حي الريش» في بعلبك، على رأس مجموعــة يدعى علي فــرج، ويقول عنه النائب الشهيد معروف سعد، إنه «استأسد في معركة الهراوي وقتل اثني عشر جندياً صهيونيــاً. ويصف سعـد وقائـع معركــة المالكـية بقـولــه: «وكان على مقربة مني الفدائي العجوز الشهيد علي فرج، إنني لا أزال أذكره وهو يضحك عند كل إصابة يقتل بها يهودياً ويقول: إشهد يا معروف، هذا واحد.. إثنان.. ثلاثة... حتى عدّ سبعة، وأصابته رصاصة أسكتت مدفعه، فاقتربتُ منه وقد نام على مدفعه وهو يتمتم: الحمد لله الذي أنعم عليَّ بالشهادة وشرّفني بها». من كان ذلك الشهيد، الذي طواه النسيان، وتتذكره تربة الأرض التي دافع عنها في فلسطين.

وفي بلدة بريتال البقاعية العام 1872، وسكن في حي الريش بمدينة بعلبك، وكان قوي البنية، طويل القامة، صاحب وجه مستطيل وشاربين مفتولين يوحيان بالشجاعة والرجولة، ومن علاماته الفارقــة دقٌ أزرقٌ على صدغيه. تزوج بامرأتين: نزهة طليس وندى عواضة، ورُزق ستة أبناء: معروف وفرّاج وعيسى (لا يزال حياً) وثلاث بنات. ومنذ صغره كان يأبى الذل والهوان، ويتوق إلى الحرية، ولا ينام على ضيم، ولما شبَّ، كانت الجيوش الفرنسية قد احتلت البلاد السورية، ودخلــت البقــاع وأعلنــت ضم بعلــبك والبقــاع إلى لبنان، فتحركت النضالات السياسية والعسكرية في مدينة بعلبك ومنطقتها ضد الفرنسيين، للمطالبة بالاستقلال وضم البقاع إلى سوريا، وللتعبير عن رفضها للانتداب الفرنسي وتقسيم سوريا. وتحصن البقاعيون الوحدويون في الجبال المحيطة بسهل البقاع وألّفوا «العصابات العديدة التي كان من أهدافها خلق البلبلة والفوضى، والتصدي للمؤسسات الحكومية، وحتى للموظفين الفرنسيين لإعاقة أعمالهم».

وكان المجاهد علي فرج من بين هؤلاء البقاعيين، الذين شكلوا مجموعة ضد الفرنسيين، تمركزت على بعد 5 كلم في الشمال الشرقي من بعلبك، وتراوح عدد أفرادها بين 12 أو 15 رجلا، وعرفت باسم «مجموعة علي فرج» ومن أهم الرجال الذين كانوا معه، علي قاسم شكر (ابن أخت علي فرج). وديب حسين الملط وإبراهيم الدبس وحسن محمد مظلوم وعلي محمد مظلوم وسليمان أسعد سليمان. قامت هذه المجموعة بعمليات عديدة ضد الفرنسيين وأوقعت بهم الخسائر الجسيمة، وأبرز هذه العمليات كان إقدام رئيس المجموعة في العام 1924 على قتل المساعد «عقل» وماريشال التموين الفرنسي «دويلانه» على الطريق العام قرب قرية دورس، بين مدينة بعلبك وقرية الطيبة البقاعية.

وعملية الاغتيال النوعية هذه كان لها الأثر السيئ في مختلف الأوساط الفرنسية، الأمر الذي دفع القوات الفرنسية، مباشرة، إلى توجيه حملة مؤلفة من الجندرمة المحلية، تساندها مجموعة من الفرقة 21 للمدفعية، من أجل القضاء على المجاهد علي فرج ومجموعته، ولكن هذه الحملة باءت بالفشل، إذ أنها لم تتمكن إلا من حرق منزل علي فرج وتدميره في بلدة بريتال والعودة من حيث أتت.

جاء في تقرير الكولونيل كارون (قائد الفرقة 21 لمدفعية شمالي أفريقيا) عن هذه العملية ما يلي: «إذا لم تعط الحملة الأولى النتائج المثمرة، فإننا في تهيئتنا للعمليات الجديدة نلاحظ أن سكان المنطقة المضطربة لا يكتفون بعدم مساعدة السلطات الفرنسية لتتمكن من حمل العصابات المسلحة على الاستسلام، بل إن القسم الأكبر منهم يشجع هذه العصابات على المقاومة ويقدم لهم المساعدات تحت أشكال مختلفة، ويزودهم بالمؤن ويستقبلهم في بيوتهم...

تابع أبو معروف جهاده ضد الفرنسيين، الأمر الذي أقلقهم ودفعهم إلى شن عمليات عديدة لاعتقاله، غير أن هذه العمليات لم يكتب لها النجاح، وعلى أثر كل عملية كان الفرنسيون يخسرون العدد الكبير من جنودهم وعتادهم.

فشل الحملة الفرنسية الأولى وعمليات الدهم التي أعقبتها، حملا المفوض السامي الفرنسي الجنرال مكسيم ويغان Wegand على اتخاذ قرار في تموز 1924، بإرسال حملة فرنسية ثانية مؤلفة من قسم من البوليس والجندرمة والجيش النظامي، للقضاء على المجموعات في معاقلها المنتشرة في الجبل الشرقي. وبعد أن فرغت الحملة الثانية من استعداداتها كافة، هاجمت مقر مجموعة المرحوم ملحم قاسم المصري قريتي بريتال وحورتعلا في 16 تشرين الأول عام 1924 «واحتجزت السكان الذين صادفتهم في هاتين القريتين، كما أحرقت قسماً من المنازل وصادرت جميع الطروش التي وجدتها. وتابعت الحملة سيرها نحو السلسلة الشرقية حيث حاصرت الجبال التي لاذ بها الثوار.

وبعد شهر من الحصار، تخلله تبادل إطلاق نار بين المجموعات والجيش الفرنسي، الذي استخدم المدفعية والطيران أحيانا، قلت المؤن ونفدت الذخائر، واتصل النائب البقاعي عبد الله أبو خاطر بنايف ديب أبو اسماعيل (كان ضابطاً في الدولة العربية سابقاً وترأس مجموعة ملحم قاسم المصري في غيابه) طالباً إليه الاستسلام، وبعد محاولات إقناع عديدة، قبل النائب المذكور ومرافقيه، وافق أبو إسماعيل ـ بعد تردد ـ على الاستسلام مع جميع أفراد مجموعته» وقد تم الاتفاق حسب شروط ترضي الطرفين.

وكان لاستسلام هذه المجموعة، التي كان لرؤسائها علاقة متينة بالوطنيين السوريين، أثر واضح في استسلام المجموعات الأخرى، إذ انه بعد ذلك بدأ أفراد مجموعة علي فرج بالاستسلام الواحد بعد الآخر.

ويختفي نجم هذا الرجل، ليتألق من جديد في الفترة التي أخذت فيها القضية الفلسطينية تكبر وتتفاقم مع تزايد الهجرة اليهودية، وإصدار الأمم المتحدة قرار التقسيم، وانسحاب بريطانيا من فلسطين، الأمر الذي نبه إلى الأخطار التي تهدد فلسطين ومحيطها، ودفع المناضلين إلى التطوع للجهاد ضد الصهاينة الطغاة.

ومواجهة لهذه الحالة المتردية، دخلت الجيوش العربية الحرب عام 1948، وعين الملازم أول محمد عقيل زغيب ضابط ارتباط في القيادة العامة لهذه الجيوش، ولكنه سرعان ما تخلى عن هذا المنصب، وباشر بإعداد سرية من المقاومين البقاعيين والجنوبيين، كان في مقدمهم الشهيد معروف سعد، وما لبث ان انضم إليهم المناضل علي فرج، كان عمره آنذاك 76 سنة، على رأس جماعة من المتطوعين البعلبكيين، فاستقبله الملازم أول زغيب، حربا، بالقول «الآن كبر قلبي... واشتد ساعدي».

وانتقل زغيب برجاله إلى القرية المالكية الفلسطينية القريبة من بلدة عيترون الجنوبية واتخذها مركزاً لقيادته، وخاض معارك عديدة ضد الإسرائيليين، كان اشهرها معركة الهراوي في الأول من أيار سنة 1948 التي تمكن بعدها من احتلال المواقع الدفاعية الأمامية. ويروى ان الشيخ العجوز علي فرج كان رامياً ماهراً وأنه «استأسد في معركة الهراوي وقتل اثني عشر جندياً إسرائيلياً بشهادة سعد نائب صيدا رفيق الخندق الواحد».

وفي ليل الخامس عشر من أيار عام 1948 شنت القوات الإسرائيلية هجوماً خاطفاً، للاستيلاء على قرية المالكية والتلال المحيطة بها، فتصدى لها الملازم أول زغيب ورجاله، وقاومها مقاومة عنيفة، خسر العدو الصهيوني خلالها حسب مصادره 50 صهيونياً و75 جريحاً. وحسب الموسوعة الفلسطينية، فإن خسائره كانت 78 قتيلا صهيونياً كانت جثثهم قد بقيت في أرض المعركة.

في هذه المعركة استشهد البطلان: الملازم أول محمد زغيب بعد إصابته برصاصة في صدره، والشيخ علي فرج الذي استمر في المقاومة حتى خر صريعاً (أصيب في وجهه) في أرض هذه المعركة على أيدي الغزاة الصهاينة.

وبعد استشهاد الشيخ العجوز، حاول انسباؤه نقل جثمانه إلى مدينة بعلبك، ولكن أهالي بنت جبيل اعتزازاً به وتقديراً لبطولته رفضوا ذلك فووري في الثرى في تلك البلدة، ولا يزال يرقد سعيداً قرير العين في ثرى الجنوب حتى يومنا هذا.


Script executed in 0.19239521026611