أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

منزل أحمد وهبي تحوّل إلى متحف تراثي في الدوير

الأربعاء 15 أيار , 2013 11:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 8,965 زائر

منزل أحمد وهبي تحوّل إلى متحف تراثي في الدوير

 

في ثنايا المنزل الجنوبي المتواضع، يجمع المشهد التاريخ والتراث للبيت اللبناني القديم... والحب لتراب الأرض وتراثه، ولتاريخ الأجداد وحفظ الذكريات، قد تنافسها التقنيات والحداثة والتطوّر، لكن لن تمحوها من الذاكرة بعدما حوّلت الحاجة «أم هشام» وهبي، هذا التراث إلى صورة جمالية رائعة، تحكي عنها في «متحف تاريخي»، يضم مئات القطع الأثرية المتنوّعة التي تشير إلى عادات وتقاليد وأساليب «أيام جدودنا»، وتعكس أيضاً بساطة العيش والتعب والكد اليومي منذ سنوات طوال، وصولاً إلى تقنيات وتطوّر مستلزمات الحياة اليوم...

فقد حوّلت الحاجة «أم هشام» منزلها في بلدة الدوير - قضاء النبطية إلى متحف تراثي، فبات يحتوي على أكثر من ألف قطعة قديمة ونادرة لا تقدّر بثمن، في رحلة بحث انطلقت منذ 20 عاماً بمشاركة زوجها المُربي الراحل أحمد وهبي وأبنائها...

في منزلها الجنوبي اليوم، جاروشة، محدلة، دلو، ودست من نحاس، طنجرة، كفكير للطعام، بابور، طابونة وصاج، بجانب جرة من صنع الشام، إلى قراونة والحبل فيها وعمرها أكثر من ألف عام، وشاغوب ومساس، وجرن بقرب بلاطة، هي من رخام وبرضعة لبغل أو حمار، إضافة إلى سرير للغلام، وأشياء أخرى صاغتها أيادٍ طواها الدهر في حفر الحمام وصارت خردة، ولكل واحدة منها حكاية ورواية عُرضت لتبقى حية من جيل لآخر...

«لـواء صيدا والجنوب» حط رحاله في متحف تراث «أم هشام» وهبي في الدوير، وجال على أرجائه مع الذكريات والقطع الأثرية النادرة...

 

رغبة وهواية

{ ما بين الحديقة «المُطرزة» بالزهور الملونة والمزروعات البلدية وهي تعتني بهم، وبين تأملاتها على شرفة المنزل وهي تحيك الأثواب لأحفادها، لا تهدأ الحاجة «أم هشام» بين استقبال زوار وفدوا لمنزلها التراثي، وبين الاعتناء بما يحتويه المنزل من ثروة تراثية قيّمة لا تقدر بثمن، تقول: «على مدى أكثر من 20 عاماً، استطعت أن أجمع هذه القطع الأثرية بمشاركة زوجي المُربي أحمد محمد سعيد وهبي قبل أن توافيه المنية بسبب مرض عضال، وبمساعدة أولادي السبعة، حيث بات لديّ اليوم أكثر من ألف قطعة أثرية، تجمع ما بين الرغبة والهواية التي رافقت تعلقنا وحبنا لهذه الأرض، ولحياة الأهل والأجداد، فجمعت مع العائلة كل ما أتوقع أن يأتي يوماً، وبالكاد لن تتعرّف عليه أجيال اليوم بعد هذه السنوات الطويلة».

وتضيف: «كنا في سباق مع تخلي الناس عن تلك المعدات والقطع واتلافها لحلول آلات حديثة أقل تعباً باستعمالها، وكنت أسعى للحصول عليها قبل اتلافها، وأحياناً كان الكثير من الأشخاص يقدّمون لي أدوات وحاجات تراثية أيضاً، لمعرفتهم بشغفي وحبي، بل «إدماني» لهذه الهواية، وهكذا مضت الأيام والسنون، وخلال الأيام الأولى لتحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي في أيار 2000 أطلقنا تظهير كل القطع والمعدات على شكل متحف مُتواضع، هنا في هذا المنزل الجنوبي، حتى باتت لكل قطعة حكاية تروي مشاهد من حياة جدودنا اليومية، الزراعية المعيشية، وآثر هذا العمل بذكرى التحرير والانتصار، ذكرى فخر لعمل تراثي، جنوبي ولبناني بكل اعتزاز».

وبعشق تتحدث الحاجة «أم هشام» عن كل قطعة في متحفها، اذ أن لكل واحدة منها حكاية: «هذا النورج، وتلك السكة، ومعهما المذراية، كان الناس يجتمعون حولها على بيدر الضيعة أيام الحصاد، وتعمل «النسوة» على ذري القمح بواسطة مذراية لتجميع غمار القمح عن البيدر، فيما يقوم الرجال بجر الحمارين المربوطين بالسكة والنورج ليتم درس القمح، فضلاً عن السلال التي تتدلى من سقف المتحف، وقصيدة من 70 بيتاً معلقة ضمن إطار كتبها أحد أدباء بلدة الدوير أحمد رمال، يروي فيها بعضاً من مشاهداته في هذا المنزل».

عصا الفلاح

{ داخل المنزل أو المتحف، تسمع حكايات وحكايات من الحاجة «أم هشام» عن سكة الحراثة أو العود والنير، وحتى عصا الفلاح الطويلة «المساس»، كذلك «الانتل» الذي وضع على ظهر الحمار لنقل المياه، ونعلة وحبل و«نضوة» الحصان ولجامه، والنورج وكل ما يمت إلى هذه الحيوانات بصلة، إضافة إلى المذياع و«الكبكبة» التي كانت ربة المنزل تحفظ الأكل فيها، وتعلقها في سقف البيت، وتتدلى عليها قماشة تحفظه وهي تشبه البراد في عصرنا». 

وتؤكد الحاجة «أم هشام» «إن عدداً كبيراً من الزوار أبدوا رغبة كبيرة في شراء هذه الأدوات أو بعضها، وبأسعار مُغرية، ولكنني رفضت عروض البيع، لاعتبارات كثيرة، ذلك أن المكان تحوّل أيضاً إلى مقصد لطلاب الجامعات لاعداد البحوث عن الحياة التقليدية القديمة، وقد أعدَّ الكثير من الطلاب الجامعيين دراسات لأطروحاتهم، وحضر عدد من الأجانب، إضافة إلى أبطال مسلسل «باب الحارة» السوري، ومنهم الفنان الراحل هاني الروماني و«أبو النار» ومعتز، وشاهدوا هذا المتحف المتواضع، وعبّروا عن إعجابهم واندهاشهم لما يضم ويحوي، خصوصاً لناحية المعدات والقطع القديمة التي كانت تدل على بساطة الحياة بحلوها ومرّها، التي عاشها أجدادنا».

فخر وعبرة

{ ولا تخفي الحاجة «أم هشام» اعتزازها بما قيل عن منزلها أو المتحف التراثي، في أبيات قليلة لخصّت العمل الدؤوب الذي قامت به، وعبّرت عن مدى تعلقها بعادات وتقاليد وحاجات أيام زمان، عدا عن تعلق الإنسان الجنوبي بكل حبة تراب في ظل احتلال غاشم ربض على أرضه لفترة طويلة من الزمن، تقول بفخر: «عندي قصيدة للشاعر والأديب أحمد رمال، وللمربي خليل سلامي الذي كتب قصيدة حكت عن مشاهدته لهذا البيت التراثي، منزل جنوبي لبناني، يرسم صورة المواطن، الذي يصون تراثه وحبه لتاريخ الأجداد ويحفظ ذكريات، قد تنافسها التقنيات والحداثة والتطوّر، لكن لن تمحوها من الذاكرة التي تختصر صورة كل لبناني».

وتختم الحاجة «أم هشام» ولسان حالها يردد: «صحيح أنه في زمن استعمال هذه الأدوات كان هناك كد وتعب وأرهاق، عكس ما نحن عليه اليوم من تطوّر وتخفيف من تعب الناس عبر التقنيات والأدوات الكهربائية وغيرها، لكن ما يفارق الزمنين، انه من قبل ورغم المعاناة، كان هناك راحة بال واطمئنان بكل شيء، بينما اليوم تجد التطوّر، ولكن لا تجد راحة البال والأمان أبداً.






 

Script executed in 0.16993808746338