تحمل تفاصيل وجه " ابو علي " ملامح الشقاء و كم هائل من حومة التعب ، فهو الذي قضى عمره باحثاً عن زبائنه منذ اكثر من 50 سنة، لما خرج حاملاً علـى ظهره اكياساً ثقيلة تحوي على اغلب انواع الملابس الشعبية التي يحتاجها الرجال و النساء و الاطفال، متنقلاً بين ازقة و حارات مدينة بنت جبيل و القرى والبلدات الجنوبية ، آخذاً صفة البائع المتجول او ما كان يعرف " بـ الدوّار " .
ارتبط اسم "ابو علي الصغير " بذهن الكثير من الاهالي في المدينة و في البلدات الجنوبية الي كان يطوفها بيتاً بيتاً بحثاً عن الرزق الحلال و لقمة العيش.
يستذكر ابو علي شقاً طويلاً و مريراً من تفاصيل حياته بهذه المهنة، و يقول " بدأت اتجول في القرى و البلدات الجنوبية منذ صغري، فقصدت الزبائن الذين كانوا ينتظروني في منازلهم يومياً وكنت احمل اكياساً مليئة بالملابس الشعبية الجديدة على ظهري، واسير بها مسافات طويلة متنقلاً في حارات بنت جبيل والقرى المحيطة لأبيع لشريحة كبيرة من المواطنين و منهم الناس الدراويش، و كنت ابيع في الاسواق الشعبية مثل سوق الخميس في بنت جبيل و سوقي حاريص و تبنين و احياناً كنت ابيت خارج المنزل لعدة ايام بسبب تنقلي بين الاسواق و حتى في ايام التهجير مارست مهنتي في بيع الالبسة في بلدة معركة و محيطها..
ورداً على سؤالنا حول عدم اقدامه على افتتاح محل لبيع الالبسة طوال هذه المدة، يقول " لم افتح محلاً لأنني تعودت على البيع المتجول و كانت رزقتي جيدة، و اكتفيت طوال عمري بما قسمه لي ربي و ما احتجت احداً يوماً و بنيت منزلاً و اسست عائلة صالحة.. و يضيف "كنت الوحيد الذي يعمل بـ " الدوارة " اي في البيع المتجول ، و اليوم لا اخفي ان المشي على الاقدام اتعبني و انا اليوم شبه مقعد لا استطيع التنقل براحة تامة، و منذ 3 سنوات توقفت عن ممارسة هذه المهنة، و ابني علي ورث هذه المهنة، وهو الآن يبيع بسيارته في الاسواق الشعبية لأن " الدوارة " اليوم لم تعد كما كانت سابقاً فهي ماتت بعد تزايد عدد محلات الالبسة الشعبية.
يستذكر ابو علي الذي ولد بمدينة حيفا بفلسطين المحتلة، محطات طويلة من تجارته في سوق بنت جبيل التاريخي و يقول " كان السوق من اهم الاسواق في جبل عامل و كان هناك تبادلاً تجارياً مع فلسطين واتذكر ان قسماً كبيرا من اهالي بنت جبيل كانوا يذهبون الى فلسطين لممارسة التجارة، و هذا اهم مفصل تجاري في حياة السكان المحليين و التجار آنذاك، اليوم كل شيئ تغير، بت اشعر كأني كنت أحلم.
بات ابو علي اليوم شيخاً كبيراً أثقلته سنواته الثمانون.. تقاعد قسراً عن التعب، واحتفظ لنفسه بكيس وافر من الذكريات الجميلة قضاها في الكد و التعب .. ابو علي ذاكرة بنت جبيلية جميلة صادفت بنت جبيل العتيقة بناسها و شوارعها و حارتها.. وهو حكاية طويلة تشع من جنباتها دروساً في معنى الكدح و العصامية و الارتقاء من عرق الجبين.