أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

صيدا تستعد لاستئناف الحياة و«الوصل مع محيطها»

الأربعاء 26 حزيران , 2013 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,136 زائر

صيدا تستعد لاستئناف الحياة و«الوصل مع محيطها»

لم يكن سهلاً على صاحب المتجر أو المطعم، وحتى المؤسسات، فتح أبوابها وكأن شيئاً لم يكن. كان لا بد من الحذر الذي انعكس على الشوارع والطرق والزواريب، وحتى الشرفات التي خلت من الجلسات الصباحية المعتادة للأهل والجيران، بينما اقتصرت حركة «الكورنيش»، الناشط في العادة صباحاً، على مد وجزر مياه البحر المهجور حتى من الصيادين الذين افتقدت صيحاتهم وهم ينادون على «بزار» أسماكهم الطازجة في الصباحات العادية.

ومع صيدا، تأخر صباح محيطها. فضّل المواطنون المحاصرون في مناطق شرق صيدا وجنوبها، ممن لم يعتمدوا الطرق البديلة للعودة إلى العاصمة، الانتظار حتى تنجلي الصورة بشكل نهائي. خلت الطريق من الجنوب إلى بيروت إلّا من بعض السيارات التي مرّت على عجل. الازدحام الوحيد شهده حاجز الجيش على نهر الأولي وهو يدقق في سيارات المغادرين نحو بيروت.

لكن عاصمة الجنوب التي تأخر نهارها سرعان ما دبت فيها بعض الحياة مع اقتراب الظهيرة، وخصوصاً في قلب المدينة وشارعها القديم. فتحت محال كثيرة أبوابها، وشرع أصحابها يكنسون أرصفتها، وعقدت جلسات نقاش خجولة يتباحث أفرادها بما حصل، يحللون كل على طريقته وهواه، يتباينون في الآراء، لكنهم يلتقون في النهاية على مصلحة المدينة وناسها.

يقول بعضهم إن «صخرة كبيرة انزاحت عن صدر المدينة». يسميها آخر «جسماً سرطانياً»، بينما يطلب ثالث، وإن بخجل «عدم التلفظ بألفاظ أو أوصاف نابية بحق أحد».

لكن ما يلتقي عنده المختلفون في السياسة، وفي تفسير ما حصل وتحليله، ينتهي إلى مصالحهم المشتركة التي تعطلت على مدى عامين كاملين. «لسنا جزيرة معزولة. نحن جزء من هذا الوطن وأشغالنا متوقفة»، يقول صاحب مطعم فول في صيدا القديمة، وقد كانت يوميته «مبلغاً مرقوماً». ويأمل أن يعود زبائنه: «غالبيتهم من أبناء المحيط يقصدونني لتذوق الفول الصيداوي. لكن هذا انتهى مع توتر المدينة».

تقول رئيسة لجنة النشاطات في بلدية صيدا عرب كلش إن «المدينة قد تأخذ بعض الوقت للنهوض ممّا مرّ عليها، لكنّها تتحضر اليوم لاستئناف ما تستحقه من حياة». 

تكشف كلش عن مباشرة تزيين صيدا استعداداً لاستقبال شهر رمضان وإحياء أمسياته الليلية «ما دام الجيش قد أمسك بالمدينة». بالنسبة إليها، كابنة صيدا، فإن «الأسير ظاهرة غريبة عن عاصمة الجنوب المعروفة بالتعايش المشترك بين مكوناتها، والذي لا يخفي الإختلاف». 

لا تنكر كلش وجود مؤيدين ومناصرين للأسير في صيدا، «هؤلاء أحرار بانتمائهم ما داموا لا يخرجون المدينة عن ميزتها كحاضنة للجميع».

 

«المعاملة بالتساوي»

 

كلام كلش يصفه الرجل الصيداوي الذي كان يدخن نرجيلته على الكورنيش عند الثانية من بعد الظهر، بـ«الإعلامي، كما كل الذين يتعاطون في الشأن العام». يرى الرجل الذي يعرف عن نفسه بـ«الصيداوي العتيق» أن ما مرت به صيدا في السنتين الماضيتين ليس عابراً في تاريخ المدينة. «هناك تنافر مذهبي موجود في صيدا اليوم»، يقول، ليؤكد أنه «ليس صحيحاً أن كل الناس مرتاحة إلى ما انتهى إليه وضع الأسير». 

هو لا يحب الأسير، لكنه يرى أنه «شكل فشة خلق للبعض»، وأن المطلوب «أن يمسك الجيش بكل المناطق من دون استثناء وأن يقضي على كل المظاهر المسلحة أينما كانت، وإلا فلا يمكن أن تستقر الأوضاع نهائياً».

و«المعاملة بالتساوي»، كما يطلبها «الصيداوي العتيق» من الجيش، هي «المدخل الصحيح»، وفق تعبيره «لعودة التوازن إلى صيدا كما كانت».

على الضفة الثانية للكورنيش فتحت المقاهي والمطاعم أبوابها لكنّ الحركة ظلت خجولة. كانت المدينة تنفض غبار الأيام الصعبة ودخانها، وإن بدت «مشتاقة فعلاً للازدحام الذي طالما ميزها وهي تمثل قبلة الجنوبيين»، كما يقول صاحب أحد المقاهي.

عودة صيدا قبلة الجنوبيين والعمل على توسيع المساحات المشتركة بين مكونات المدينة ومحيطها «هو ما يجب العمل عليه»، وفق رئيس «تجمع المؤسسات الأهلية» في صيدا ماجد حمتو.

يرى حمتو أن صيدا شكّلت على مدار تاريخها «بوصلة التوازن والعيش المشترك ومدخل الجنوب وعاصمته الاقتصادية والاجتماعية، والمقاومة»، ليعتبر أنّ ما حصل قد حصل «غصباً عن المدينة التي لا تمثلها ظاهرة الأسير». بالنسبة إليه، مرت صيدا بأيام عصيبة، لكنها «بهمة أبنائها ستعيد بناء جسور الثقة مع المحيط».

واستنكر حمتو باسم منظمات المجتمع المدني «الاعتداء الذي طال بعض مراكزها في منطقة الهلالية، من دون أن تعرف هوية المعتدين».

لكن ما حصل في صيدا كان «متوقعاً ومستنظراً»، وفق رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في صيدا محمد صالح. فـ«أنشطة الأسير التي كان ينظمها كانت غريبة عن صيدا التي لم تتعود الخطابات المخالفة للقانون».

لكن ما لم يكن منتظراً بالنسبة إلى صالح أن يحصل التصادم في صيدا مع الجيش، «فهذا مرفوض من صيدا وأهلها رفضاً باتاً، وصيدا لا ترضى بسقوط شهيد واحد من الجيش على أرضها».

ويؤكد صالح أنّ المدينة بدأت استعادة الاستقرار والحركة التجارية، كاشفاً عن التخطيط لإقامة معرض للصناعات في لبنان الجنوبي في قلب صيدا خلال تموز المقبل. ويقول إن صيدا «ستنهض بإذن الله خلال خمسة عشر يوماً كأقصى حد، وإن غرفة التجارة، بالتنسيق مع البلدية، ستنظم مهرجانات رمضانية».

ويعترف صالح بوجود عائلات صيداوية مؤيدة للأسير، «وقد قضى بعض أبنائها وهم يقاتلون في صفوفه، بينما تم توقيف البعض، وأصيب آخرون بجروح، لكن ذلك لن يؤثر في نسيج المدينة المختلط ولن يخرجها من محيطها ودورها كعاصمة للجنوب وبوابة له».

وفي مقابل الخطاب المتزن الذي يصر عليه معظم أبناء صيدا وفعالياتها، يدور حديث في البيوت الصيداوية عن مسلحين شوهدوا في المدينة وبعض أحيائها القديمة خلال الأحداث، ليقولوا إن هناك سلاحاً في صيدا، وإن الأسير ليس وحده من شكل مجموعات مسلحة. سلاح يقلق الأهالي، فـ«صيدا المشهورة بتوازنها هي أيضا في النهاية جزء من هذا البلد الذي يغلي على نار المذهبية».


Script executed in 0.19264197349548