شاء الله أن يكون رحيلك يا حاج خليل خلال شهر الله ، شهر رمضان المبارك ، وفي أجواء إنتصار أمّتنا ، بشعبها وجيشها ومقاومتها ، في حرب تموز ، على العدوّ الصهيوني ، وعلى كلّ من يدعمه ويتماهى معه ، شاء الله ذلك ، وأنت واحد من الذين سيحفظ له التاريخ مكاناً رحباً على صفحاته النيّرة ، المضيئة ، والمشرقة .
هذا قدرك وقدرنا جميعاً يا صديقي العزيز ، وكلّنا يخضع للإرادة الربّانية الإلهية المبرمة .
لقد تركت وراءك ذكراً جميلاً ، وأثراً طيباً ، وانت إن متّ بجسدك ، فلن تمت أبداً بذكرك ، فسيبقى مشعاً ، ما دام في هذه الأمّة رجال كبار يرفدون المجتمع بعطاءاتهم .
لقد غبت يا حاج خليل عن العيون ، لكنّك ، ولا شك ، سوف ترقد في أحضانها ، ستبقى في وجدان المحبين ، صورتك لن تغيب عن الأعين ، واسمك سيظلّ يتردد على الشفاه .
إن القلم يبتتل للكتابة عنك أيّها الشهيد ، ويأخذ مداده من ضياء حياتك ، ومن جهادك ونضالك ، ومن فضائك الرحب وقيمتك العالية ، وإيمانك الراسخ بالعقيدة التي جاهدت من أجلها .
وانّ الدموع التي ذرفت عليك يا صديقنا ، لم تكن لرثائك ، والكلمات أيضاً مهما تأنقت لن توفيّك حقّك .
الجرح المتأتي من فراقك السريع والمفاجىء لن يندمل سريعاً ، ونخاله لا يندمل ، إلاّ بمزيد من الصبر والأناة ، وقبول أمر الله عزّ وجلّ ، والتسليم بقدرته ومشيئته . أقول هذا وأنا أقول بصدق أنّك أدميت القلوب وأحرقت المهج ، خاصة وأنّ العائلة لا تزال تعاني من وجع المآسي وآلام المصائب بفقد الشهداء الأبرار الميامين .
لقد آمنت يا حاج خليل أن المقاومين يمثلون قضية الحق والإيمان في وجه الجهل والظلام ، وهو الذين معهم طلع فجر الزمان ، وان الشهداء هم الذين يزرعون في حياة الأمّة النخيل والأعناب والأقماء .
كنت مؤمناً يا صديقي ، أن الردّ على الإنتصارات التي حققتها ، وتحققها المقاومة ، سيكون بالمحاولات المستمرة للعودة بأمّتنا إلى التشرذم والتفكك والتناحر الطائفي والمذهبي ، تماشياً مع المخططات الجهنميّة التي أصبحت واضحة ومعروفة ، وكذلك في العمل على الإقتصاص من المقاومة التي انجزت التحرير ثم الإنتصارات المتلاحقة ، إضافة إلى استهداف سوريا كما حصل ، لأنّها دولة مانعة ، وداعمة للمقاومة .
ومن خلال إيمانك يا حاج خليل ، لأنّه ، إذا كانت المقاومة قد انطلقت بدون إذن من أحد ، فإنّها مستمرة على نهجها ، معتمدة على فكرها النيّر ، وعلى شعبها وسلاحها ، هذه المقاومة التي واءمت بين هذا السلاح والعلم والتقنية .
وأنت عندما إلتزمت خط المقاومة ، فإنّك قرنت عملياً بين السلاح والعلم ، ومن أجل ذلك ركّزت على ثقافتك الخاصة ، وعلى نتاجك العلمي الشخصي، فتابعت مسيرتك العلمية ، وحصّلت ، وكنت بالتالي مقاوماً مثقفاً ، واعياً ،
رصيناً ، هادئاً ، تعمل بجدّ وإجتهاد ، وتخوض غمار النضال دفاعاً عن القيم والمبادىء والمقدسات ، وعن خط الممانعة والمقاومة .
لقد اخترت يا حاج خليل مصيرك عن قناعة تامّة ، وإذا كنّا نكتب عنك هذه الكلمات ، فإنّك بحقّ ، في غنى عن شهادتنا ، فالأماكن التي عرفتك وخضت غمار حركتك ، هي تنطق بجهادك .
خلال كلّ لقاءاتي معك ، قبل حرب تموز سنة 2006 ، وأنت لم تفارق الشهيد الحاج خالد ( الحاج قاسم ) يوماً ، كنت تتذكر معي فترة الدراسة في مدرسة بنت جبيل ، حيث كان لي شرف تدريسك لأكثر من سنتين ، لكنّني بالمقابل كنت أثني عليك بأنّك استطعت أن تقطع شوطاً مهما من حياتك في تثبيت شخصيتك ، وإكمال مسيرتك العلمية ، والإستفادة من شبكة علاقات نضالية وجهاديّة مع ثلة من المجاهدين ، وفي مقدمتهم الحاج خالد بزي .
نحن نرفع لك يا حاج خليل ولأمثالك راية الوفاء والإكبار ، وأنت الذي قدّمت روحك وعمرك ، وهذه أغلى منحة تقدّم على مذبح الحرية والفداء .
لك كلّ الكلمات الجميلة ، والعبارات الطيّبة ، وكلّ التحايا ، وإن كانت لا تساوي نقطة دم سقطت من جسدك الطاهر .
طوبى لك أيّها الشهيد المؤمن ، وأنت الذي تحتمي بأفعالك وأعمالك .
ذكراك سوف تبقى إلى جانب الشهداء الأبرار ، أمثال الحاج خالد وغيره ، ما دام للذين يحبونكم ويعرفونكم قلوب خافقات .
لن نفتقدك ولأمثالك الأثر ، والعزاء أن من على خطاكم يعبرون ضفاف التعب ، وينتهجون نفس النهج ، ويسيرون على نفس الطريق .
رحلت يا حاج خليل ورأسك مكلّل بالغار وضميرك مرتاح ، ستبقى روحك مشعّة ترفرف بيننا .
وأخيراً أقول فيك ما قاله الشاعر :
بذرت حبّك في الجوارج والحشا = فنما وعرّش في الفؤاد وأزهرا
حتى إذا ما صرت ورد خميلة = من طيبها الكون الفسيح تعطرا
يا كوكباً ما تمّ قوس هلاله = وجهدت أن ألقاك لكن لم أرَ
طيفاً لطلعتك الصبوح كأنّما= أسرجت مهرك للرحيل مبكراً