أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

أوروبيّو اليونيفيل قلقون والأهالي يحنّون لـ«الطــوارئ»

الجمعة 02 آب , 2013 07:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,256 زائر

أوروبيّو اليونيفيل قلقون والأهالي يحنّون لـ«الطــوارئ»

يصرّ جنوبيو الليطاني على التمييز بين قوات «الطوارئ» وقوات «اليونيفيل»، بالرغم من أنهما مهمتان تابعتان للأمم المتحدة. الأولى تشكلت بموجب القرارين 425 و426 اللذين أصدرهما مجلس الأمن بعد الاجتياح الإسرائيلي لأجزاء من الجنوب عام 1978، ووصلت طلائعها في 23 آذار من العام ذاته، واصطلح على تسميتها «قوات الطوارئ» لكونها جاءت «لنجدة الجنوبيين وحمايتهم». أما «اليونيفيل»، فقد شكلت النسخة المعززة للطوارئ بموجب القرار 1701 الذي أنتجه عدوان تموز، وتميزت بالمشاركة الكثيفة للدول الأوروبية، وفي طليعتها إسبانيا وإيطاليا وفرنسا.

إيران، تليها الدول الإسنكندنافية كانت من أبرز أعضاء مهمة «الطوارئ». في الفترة الممتدة بين بدء مهمة هذه القوات وحتى انتصار الثورة الإسلامية، تميزت الوحدة الإيرانية التي انتشرت في قضاء صور بتقديماتها وتواصلها الاجتماعي مع الأهالي والأنشطة الفنية والثقافية والترفيهية التي كانت تنظمها. إلا أن «سماحة» عناصر الوحدات الفنلندية والإيرلندية والنروجية والسويدية، كانت تنافس الإيرانيين على قلوب الجنوبيين. التنافس أدى إلى توزيع انتشار الوحدات بين المناطق، العرقوب ومرجعيون وصور وبنت جبيل. الجنوبيون، وإن استفادوا من سهرة أو دواء أو كيس طحين إلخ... إلا أن الحفاظ على حياتهم وتحرير أرضهم، كانت مطالب تفوق قدرة قوات الأمم المتحدة التي فشلت في صد الاعتداءات الإسرائيلية، لا بل إنها تحولت أحياناً إلى عبء على الجنوبيين الذين يحمونها ويوفرون لها السلم وليس العكس. ولعل هذا هو القاسم المشترك الوحيد جنوباً، بين قوات الطوارئ وقوات اليونيفيل.

في الطريق إلى القطاع الشرقي، تتباين حركة قوات اليونيفيل. بعد نقطة الرصد الثابتة للوحدة الإسبانية عند مدخل منطقة جنوبي الليطاني على جسر الخردلي. يكاد ينعدم مرور الدوريات الأممية الاعتيادية صعوداً حتى مشارف كفركلا وبوابة فاطمة وجدار كفركلا، حيث فقدت نقطة مراقبة إسبانية قبالة عبارة المياه. على التوالي، في برج الملوك والقليعة ومرجعيون يتجدد ظهور العنصر الأممي، ولا سيما الإسبان الذين يتمركزون في المنطقة، ليعود ويختفي في دبين وبلاط. يخبرنا الأهالي بأن الحركة تأثرت بقرار الاتحاد الأوروبي إدراج حزب الله على لائحة الإرهاب. منذ ذلك الحين، تقلصت الدوريات الروتينية وإقبال الجنود على المحال والمقاهي والأسواق الشعبية الأسبوعية في البلدات، لكن بحسب انتمائها الطائفي وحضور الحزب فيها. وينقل البعض عن أحد الجنود قوله إن حكومات دولهم ولا سيما الأوروبية منها أوعزت إليهم بالتزام الحذر حتى تنقضي فترة ما بعد القرار على خير، ويبرد غضب الناس من اعتبار مقاومتهم إرهابية. لكن رفع بلدية الخيام المحسوبة على حزب الله، أول من أمس، لافتات تدين القرار الأوروبي، قد يمدد من فترة حذر اليونيفيل الأوروبية. هناك، باتت «الأوروبية» تثير استفزازاً وعداء كما أميركا وإسرائيل أحياناً. لكنه عداء مستجد، كما يؤكد أهالي المنطقة والحق على الطليان والإسبان والفرنسيين، علماً بأن هناك 15 دولة أوروبية تشارك في اليونيفيل حالياً.

المشهد يختلف في إبل السقي التي تبدو كأنها محطة استراحة لجنود اليونيفيل الذين يصطفّون أمام المحال المتعددة التي توفر لهم حاجياتهم المختلفة. أو كأن هؤلاء الجنود لم يسمعوا بالقرار الأوروبي. منذ عام 1978، فتحت البلدة باب أوروبا على محيطها، والسبب تمركز الكتيبة النروجية على أراضيها بعد تعثر تمركزها في جديدة مرجعيون. صاحب أحد المتاجر يميز بين أوروبيي الطوارئ وأوروبيي اليونيفيل. فالدول الأوروبية التي انتشرت عام 1978 في المنطقة التي كانت تعرف بـ«فتح لاند»، كانت «على هامش القرار الأوروبي السياسي ولم يكن لديها أجندات ومطامع في لبنان، بل كانت تنفذ مهمة الأمم المتحدة بحفظ السلام ودعم السكان كما هي». وفي هذا الإطار، يذكر أن الجنود النروجيين كانوا على خلاف دائم مع الفلسطينيين والإسرائيليين وعملائهم على السواء. في عام 1988، منع قائد الوحدة الكولونيل كالسن جنرالاً إسرائيلياً من دخول البلدة بآلياته العسكرية، واتهمه بالنازية، ما تسبب بأزمة دبلوماسية بين العدو والنروج وبتقليص مهمة الضابط في لبنان من سنة إلى ستة أشهر. وبعيد اجتياح عام 1982، قبضت الوحدة على مجموعة مقاومين كانوا يحاولون تنفيذ عملية ضد العدو في نطاقها وسلمتهم إلى قيادة الدرك في ثكنة مرجعيون. ولما سلمهم أحد الضباط إلى العدو، باتت الوحدة في حال قبضها على مسلحين أو جرحى منهم، تنقلهم بآلياتها ومروحياتها مباشرة إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية في بيروت، منعاً لتسليمهم إلى العدو. 22 جندياً نروجياً سقطوا بين عامي 1978 و1982 بسبب اعتداءات اسرائيلية عليهم، فيما تزوجت أكثر من 60 سيدة من المنطقة بجنود نروجيين، ساهموا في فتح باب النروج لأهالي المنطقة بهدف العمل أو التعلم أو السياحة.

في عام 1998، انسحبت النروج من الطوارئ. وفي 2006، انضمت اسبانيا إلى اليونيفيل وقدمت نموذجاً مختلفاً للتجربة النروجية. صاحب المتجر يذكر أن الإسبان اقتحموا المنطقة ولم يدخلوا كقوة سلام. كانوا متجهمي الوجوه وينتابهم الحذر والاستفزاز كأنهم في أرض عدوة وفرضوا التفتيش بالكلاب عند مداخل مراكزهم وحاولوا نصب حواجز لتفتيش السيارات التي كادوا يطلقون النار على بعضها لأنها لم تتوقف. ويردّ طريقة تعاطيهم السلبية في بادئ الأمر إلى تأثرهم بتجربتهم في حلف شمالي الأطلسي (الناتو) وحداثة تجربتهم في اليونيفيل. من جهة أخرى، اعتبر أن الجنوبيين بدورهم تغيروا من شعب مغلوب على أمره ومعتدى عليه إلى شعب قادر على تغيير المعادلات الدولية بسبب مقاومته. ولفت إلى أن الفروق الطائفية والسياسية والعقائدية والثقافية بين بلدة وأخرى، تنعكس على سلوك اليونيفيل تجاه كل منها. من هنا، يقر بأن الأوروبيين يرتاحون في البلدات المسيحية ويحذرون في الشيعية منها. حادث الاعتداء على دورية اسبانية في سهل الخيام قبل سبع سنوات، غيّر في أسلوب التعاطي، ولا سيما بعد توجيه الاتهامات للجماعات الأصولية المتطرفة. فهم اليونيفيل لخصوصيات اللعبة اللبنانية واستيعابهم لقوة حزب الله وقدرته على تأليب الأهالي في مناطق وجودهم، جعلهم ينفتحون أكثر على الفاعليات والنواب والبلديات التي يسيطر الحزب والحركة عليها في البلدات الشيعية ويخففون من التحركات الاستفزازية كالتصوير. هذا كله بدافع شراء محبة الناس لمنع تكرار الاعتداء عليهم.

أما في القطاع الغربي، حيث يقبض الحزب وحركة أمل بيد من حديد على كل شيء، فالعداء لأوروبيي الأمم المتحدة أعظم. إبل السقي هنا كانت برج قلاويه حيث مركز الطوارئ منذ عام 1978. موقع جبل مارون دشنته القوة الإيرانية ثم الغانية، وصولاً إلى الفنلندية التي تماثلت بسلوك الوحدة النروجية. يؤكد الأهالي في صريفا وفرون وبرج قلاويه أن الجنود الفنلنديين نقلوا أحياناً المقاومين وأسلحتهم من مكان إلى آخر. حينها، لم يكن حزب الله أو أمل هما الفزاعة، بل كانت المقاومة الفلسطينية التي استهدفت الطوارئ أكثر من مرة. قبل اجتياح عام 1982، قتل أربعة جنود إيرلنديين على أيدي مسلحين فلسطينيين بالقرب من مقرهم في تبنين ودفنوا في محيطه. ومنذ تحرير الجنوب، يحضر وفد إيرلندي بشكل دوري للبحث عن مكان دفن الجثث من دون نتيجة حتى الآن. الوحدة الفرنسية كانت منتشرة في قضاء صور. أحد فعاليات صريفا، حسن رمضان، لفت إلى أن فرنسيي الطوارئ كانوا أفضل بكثير من فرنسيي اليونيفيل. ويذكر مبادرات لضباط انحازوا للأهالي ضد الاحتلال الإسرائيلي. لكن «الفرنسي فرنسي لم يتغير» يقول، في إشارة إلى انحياز عام تلقائي من الفرنسيين لإسرائيل. وفي هذا الإطار، يشير إلى أن الفنلندي كان يحتسي البيرة اللبنانية، بينما الفرنسي يستهلك البيرة الإسرائيلية. في عهد اليونيفيل، كان الفرنسيون الأسوأ بنظر الأهالي بعد الإيطاليين الذين تراجعوا عن أخطائهم باكراً. لكن الفرنسيين لا يزالون يصرون على استفزازهم عبر الدخول إلى مناطق مقفلة وأحياء سكنية وتصويرها، فضلاً عن أنهم لا يشترون من المحال التجارية بل يؤمنون حاجاتهم من داخل ثكنهم. وإذا ما قرروا السهر والترفيه، يقصدون شرقي بيروت، علماً بأن الإشكالات الكبرى التي سجلت مع الأهالي كانت مع الفرنسيين، في خربة سلم عام 2009 وفي تولين بعدها بعام استدعى عقد مؤتمر صلح بين الطرفين في سرايا تبنين ووضع استراتيجية جديدة لليونيفيل.

يرى رمضان أن «المحبة من الله»، لكنه يقر بأن الكثيرين كرهوا اليونيفيل قبل أن تصل إلى لبنان لأنها فرضت فرضاً لصالح العدو. ثم جاءت سلوكيات جنودها لتعزز الكراهية والعداء. حتى الآن، يؤكد رمضان أن جميع محاولات اليونيفيل والهيئات الدولية المرتبطة بها، لم تستطع تبديد مشاعر الحذر والشبهة تجاههم، برغم تعاون الأهالي والبلديات معهم بغرض الاستفادة نظراً إلى تقصير الدولة.


Script executed in 0.17834711074829