يومها غادر "ابو نعيم" بنت جبيل الى بيروت ومكث عند ابنته أشهراً قليلة، ليعود الى منزله بعد إعادة اعماره، ولكن في قلبه حزن مزدوج، الاول كبير وعميق لانه عاد الى المنزل من دون ان تستقبله "ام نعيم"، والحزن الآخر لانه فقد مكتبته التي ظل سنوات يجمع كتبها، ولم يشف غليله ما جمعه له الرفاق والاصدقاء من كتب قبل عودته.
قبل سبعة وسبعين عاماً، وتحديداً في أوائل نيسان 1936 انطلقت تظاهرة في بنت جبيل ضد الفرنسيين، فسارع "ابو نعيم" الى المشاركة فيها احتجاجاً على اعتقال عدد من ابناء بنت جبيل الذين سبق ان تظاهروا ضد شركة "الريجي"، ومنهم الشاعر الراحل موسى الزين شرارة، ويومها أطلق الجنود الفرنسيون النار على المشاركين في التظاهرة، واعتقلوا عدداً منهم ونقلوهم الى سجن الرمل في بيروت، ومن بينهم "أبو نعيم"، "عندما علم الراحل محسن بيضون شقيق النائب الراحل رشيد بيضون بوجودنا في السجن أرسل لنا السجاد الأحمر الى الغرفة، كنا 35 شخصاً، وأذكر أن مدير السجن محمد جواد دبوق من بلدة خربة سلم (بنت جبيل) فوجئ باهتمام بيضون بنا". ويضيف "أبو نعيم" في حديث الى "النهار" في 10 أيلول 2006: "بعد أيام عدة اقتيد الى السجن عاملان من عمال المطابع، هما شارل اسطفان وفرج الله حداد، والأخير من قانا (صور)، وكانا شيوعيين وامضيا معنا نحو ثلاثة أسابيع".
السجن أكسب "أبو نعيم" حرية فائضة، فتحرّر من بعض التقاليد المحافظة ووجد في الحزب الشيوعي مكاناً آمناً فكرياً وعقائدياً، وكان من أوائل الشيوعيين في الجنوب، وأنشأ خلية للحزب، مما دفع مؤسس الحزب فرج الله الحلو الى زيارة عيناتا وبنت جبيل عام 1937.