أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

شقرا تهدم «سيرتها»

الجمعة 23 آب , 2013 06:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,292 زائر

شقرا تهدم «سيرتها»

اجتمعت حول مبنى «السيرة» حكايات وذكريات. هنا كان اللقاء، هنا كانت الحكاية. ولكن لا شيء سيدركه الصغار، سوى مبنى صغير مترهّل يجب أن يزال، لكن للكبار ذاكرة اخرى. يسير أحدهم قرب المكان، في حيّ «الحومة» أو بالأحرى حيّ «السيرة»، الاسم الأكثر تداولاً بين كبار السنّ، يقول متعجباً، هدموا «السيرة»؟ كلام يستغربه الكثيرون من الجيل الجديد، لكن الحاج الطاعن في السنّ، يشير إلى أن «شيئاً من الماضي الجميل قد تهدّم»! يقول متأثراً «السيرة»! ويصمت.

الكلمة ترمز الى نمط حياة كان قائما بالفعل. «اجيال عاشت هنا قبل أن تهاجر لتأتي بالأرزاق والأموال الكثيرة»، يتحدث احد كبار السن في البلدة بحسرة. يروي أن «السيرة» تم بناؤها قبل نحو مئة عام، وهي كانت من أملاك آل «صالح»، بنيت من الحجارة الصخرية والتراب، قبل أن يعاد بناؤها من الاسمنت المسلّح، وكانت قريبة من دار آل صالح الكبير، الذي سكنه السيد عبدالله صالح، وكانت تضمّ أكثر من 150 رأس ماعز وغنم، وتحقق دخلاً مالياً لا يستهان به في ذلك الزمن القاسي. تناوب على الاهتمام بهذا المكان عدد كبير من أبناء البلدة، من الذين شاركوا آل صالح الاهتمام والرعاية به، وبات المكان مقصداً للكثير من الأهالي، حيث عقدوا اللقاءات الجميلة وتبادلوا أخبار البلدة، وأحياناً اصدروا القرارات العامة. كان البعض يطلق عليها مازحاً اسم «الثانوية»، فهي المكان الذي تعلّم فيه الكثيرون طريقة الحياة الصعبة والشاقّة، وقبل نحو 15 سنة تحوّلت «السيرة» الى مستودع للخردة، يُجمع فيها الحطب، ويخبز فيها أبناء الحيّ الخبز القروي (على الصاج).

في داخلها كان يوجد قبو صغير استخدمه بعض الشبان أثناء دخول العدو الاسرائيلي وعملائه الى البلدة في العام 1986، أختبأوا فيه، وبدأوا بعده يروون حكايات الأيام الصعبة في ظل الاحتلال والعدوان. يقول أحد كبار السنّ إن للقبو قصة أيضاً، فهو قبو طبيعي، لكن تبيّن لاحقاً أنه متمّم لمغارة أو نفق كبير لا تعلم نهايته، وهو يدلّ على تراث البلدة وآثارها القديمة جداً، لكن اعادة ترميم المكان أدت الى ردم القبو واختفاء المغارة.

اخيرا، قرّر أحد أبناء البلدة هدم «السيرة»، لم يعترض أبناء الحيّ لأن البناء القديم بات ملاذاً للصبية، ومصدراً للازعاج. يظنون ان بناء محلات تجارية مكانه قد يؤدي الى توسيع الشارع الضيّق وابتعاد الصبية عن المكان والمحيط وازدهار الحي. ولكن في الحصيلة بلدة شقرا خسرت «سيرتها»، والبناء الجديد سيردم ذاكرة لا تزال حيّة من دون ان ينبش التاريخ المدفون اصلا تحتها.


Script executed in 0.217120885849