أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

المجلس الثقافي للبنان الجنوبي يكرم الراحل المناضل ابراهيم نعيم بزي

الجمعة 25 تشرين الأول , 2013 10:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,378 زائر

المجلس الثقافي للبنان الجنوبي يكرم الراحل المناضل ابراهيم نعيم بزي

و القى الدكتور إبراهيم بيضون، الدكتور أحمد بعلبكي، الدكتور منذر جابر ، الشاعر مصطفى سبيتي والأستاذ فايز خريزات ، كلمات بالمناسبة

و قّدم الإحتفال الشاعر عماد شرارة فافتتح الاحتفال بـ :" باء البداية في هذا اللقاء الحميم ، لقاء الوفاء لأبي نعيم ، في مفتتح الكلام كما في تفتح الأكمام الشكر والعرفان لصاحب الدعوة المجلس الثقافي للبنان الجنوبي ، أول ورقة وأعلاها على شجرة الثقافة في الجنوب ، أسماها على أول سطر من سطوره ، وجهه وجهنا المتربع على الأغصان والمداعب لنُعاس قوافلنا الطويلة . طوبى له يلبس اليوم في يده أساور الوفاء ، ويضيعُ في أصابعه خواتم السحر ، ويسافر بين عضلات الأرض وأهداب السماء . أبو نعيم من الذين تفيئوا أول أشجاره ، وأطلوا خيولاً جامحة ً من أعتق نوافذه ، وآخر الكبار الذين دونوا فكرةً وجملةً وبصمةً على آخر سطر لهم فيها . هؤلاء المناضلون لا يموتون ولا يرحلون بل يسخرون إرادة البقاء في ذاكرة الناس ... يتأملون بعيون حمراء ، ينبتون من جديد كل صباح يتفتحون كأزهار الرمل يقيمون دائما ً في المقدمة ويسكنون في التمهيد . أبا نعيم أربعون فجراً على غيابك عدا ً ونقدا ً وما إنكسر منديل نهارك وما أنطوت عباءة روحك ، وما أنطفئت في الذاكرة ... أبا نعيم يا راهب القضية ، وصديق النضال ، أيها الشيوعي المقاوم حتى آخر قطرة عرقٍ في جسده ، الجميع في متناول قلبه ويده ، هو الذي كافح وصارع كي لا تلتوي قبضة المنجل ولا يُقفل فم السؤال ولا يرقص التعب في صدور أهلنا على منشر التبغِ ، ولا تشرد مسامير الكرامة والكبر في أفواه الحذائين الطيبين ، ولا يلقي الإقطاعي القبض على مفاتيح التراب ، هو الذي قال وقتها ما كان عصيا ً على القول : عن جماعات الجراد التي تحرس غمار الحصاد ، عن حفنة دراهم مشت بقرب أصابع الفقراء عن الذين يحفظون سيرة الزيتون ودواوين القمح وعتابا المعاصر ومواويل الطواحين والمحاريث الرمحية . بنت جبيل لن تنساك يا أبا نعيم ستنصب ذاكرتها لك الكمائن ، وتزرع لك الفخوخ وعبوات الشوق النازفة ، وهاهم رفاقك وقادروك ومحبوك يسبحون في النهر الذي شرّبته ، يسترجعون قبلات وهمسات وتنهدات ٍ لم تغرق معك.

و تحدث الدكتور منذر جابر و جاء بكلمته: كان لأبي نعيم أمهات ثلاث : الأم الأولى أم إبراهيم أمه أمه ، أمدته بالرعاية في الطفولة والصبا، كانت أم إبراهيم قليلة الجسم ،قليلة اليدين ، قليلة العينين وقليلة الأسنان ، بالطبع كانت كثيرة الدعاء دعاءة بالخير ،كانت على مقدار من الدماثة والطيبة ، والأهم على مقدار من النظافة ، ما يثير الإعجاب ، وقد ظلت إلى اليوم الأخير من حياتها تجد في تحصيل قوتها بجهدها . الأم الثانية : أم نعيم أهدته الرعاية بدءا ً من شبابه ،حتى موتها وقد ماتت كما يليق بآلة الإجرام الإسرائيلية أن تميت . كان وجه أم نعيم عميق العينين ، وجه ينفتح على حد الخجل الدائم ، وعلى حد البشاشة والبسمة المكبوتة . تحتار في تلوينته ووجهته : هل وجه أم نعيم في أوائل التعب أو المرض ؟ أو هو في أوائل الراحة أو الصحة ؟ يقيم دائما هذا الوجه على حد السكون وحد الإنفجار ، على حد البسمة وحد الدمعة . كان يتواقت في وجهها ، بسمة دائمة مع سخريةٍ مرة ، ويتواقت فيه حمرةٌ مقيمةُ وخجل ، مع لسان لا ينطق عن هوى ، الحجل والبسمة تفيضان عليك من لقاء الصدفة الأولى ، السخرية وصدق اللسان لديها ، لا نعرف لهما تشكيلاً : من سيولة هما أو من نحت وم حفر ؟ نعرف فقط أنهما خاصية بأم نعيم وحسب . ثالث الأمهات إبنته مريم نبع الرعاية في شيخوخة أبي نعيم ، كانت إلى جانبه ، وقد صعب أو إستحال حضور بعض أبنائه الآخرين من سفر أو من إعتلال في الصحة . ومريم ليست حالة خاصة في بيت أبي نعيم ، فهي شأن غيرها من البنات البكر في العديد من رفاق أبي نعيم وأترابه وعصبته . كانت البنت البكر ضريبة مضافة إلى وجود الأم وتقديماتها ، فعلى جميع من في البيت أن يهدئوا بال الرجل لكي لا ينتقص من نضاله . فكانت على سبيل المثال يسرى في بيت أبي كامل ، أما ً وأبا ً وأختا ً كبرى ، وقد ضحت بالغوى والصبا في طريق جلجتها ، وكانت كذلك نوال ، تاج أمومة وملجأ حنان في بيت أبي تيسير ، ووفاء كانت أما صغيرة إلى جانب الأم الكبيرة الكبيرة في بيت أبي تحسين ، وكذلك كانت أمل فيض رعاية وعطاء لأسرة أبو منذر . كانت المعرفة الأولى مع أبي نعيم ، مع زياراته الدورية الصيفية لبيتنا ، لأن بيتنا كان يتسع لزائريه صيفا ً ، ويضيق حتى بساكنيه شتاء ً . يومها كان يستوي على الكرسي ، رجل كثير الهدوء ، قليل الصمت ، تتنزل على لسانه الكلمات تنزيلا ً ، كان أبو نعيم من جيل توارث لهجة الثقافة والسياسة وإكتسبها خالية من عجمة الفلاحين الجنوبيين البسطاء ومعسور لهجتهم وألفاظهم . وأضاف قائلا ً : كانت سوق بنت جبيل نص الدنيا ، ونص الدنيا الآخر الأيام التي تفصل بين سوق وسوق . كان السوق ينقسم وجوها ً وقامات ، وكانت قهوة إبراهيم نعيم موسم السياسة الأسبوعي لتلك الوجوه والقامات ، تلتقي مصابحةً في مقهى إبراهيم نعيم ، بكل ألقها وغرضياتها وعصبياتها وحزبياتها . تعرفهم جميعاً كراسي قهوة إبراهيم نعيم ، يأتون أسعديي الهوى أو خليلييه أو عسيرانييه إلى بزييه أو بيضونييه ، وبالطبع إلى بعثييه وقومييه الإجتماعيين وقومييه العرب ، وجميع هؤلاء على يقينهم الحزبي لإنقطاع النفس . ومن أبرز ما جاء في كلمته : كان أبو نعيم رجل ينتمي إلى كل بنت جبيل ، ينتمي إلى كل لبنان وقليلون هم كذلك ، وهذا ما فرزه خارج العصبيات والجماعات والطوائف ، وقد عبر عن ذلك صديق شارك في تشييع أبي نعيم خير تعبير .. فقد تصور هذا الصديق هذا الصديق أن أبا نعيم نظر من نعشه إلى الأعلام المرفوعة في تشييعه ، لم يلحظ بينها علماً لبنانياً واحداً . فما كان منه إلا أن قفز من نعشه ، وقد استك من بيته علمين لبنانيين أثنين ، واحد يلوح به لمودعيه بنحلهم وأحزابهم الكثيرة ، وآخر يلوح به لمستقبليه في الآخرة . ومن بينهم بالطبع شهداء من بنت جبيل ، قضوا دفاعا ً عن إنسانها وأرضها وهوائها لم يواطئوا مرة على قناعاتهم أو يواربوها ، ويسيروا تحت راية ليست هي عندهم وفي قناعاتهم حجة أو يقينا ً .

ثم تحدث المؤرخ الدكتور إبراهيم بيضون و جاء في كلمته : آخر النمط من الكبار صناع تاريخ عاصمة التحرير ، أولئك الذين أعطوها وجهة أنها أرض السيوف ، والعوالي والبطولات ، ووجهه أنها أرض المحابر والقصائد والأسفار ... وإذا وغلنا في الزمن ، تراءى لنا ذلك البريق الصاعد من البيوت الترابية الداكنة ، حيث المجالس تكتظ بالفقهاء ينثرون الحكمة ، وأبلغ القول والسياسة ليست خارج السياق ، فجأة يلوح وقد حاذاه الموكب – طيف الشيخ موسى شرارة ، ذلك النخبوي مؤسس المدرسة الأولى في بنت جبيل وما برح يستثير في طلابه نزعة التمرد على الظلم ، ويروض طباعهم على الإنفتاح ونبذ التعصب ، ويعقلن المفاهيم المغلوطة في الطقوس ، ولم تكن الإنتفاضة المستهرة ، إلا من نسغ تلك الأفكار التي دمغت بنت جبيل ، ماضيا ً وحاضرا ً، بالدم المقاوم وسكبت في روحها عشق الحرية والكرامة والفداء . وأضاف قائلا ً : هذا وطيف أم نعيم يغمر المكان ، تتلقانا بالعذب الرسيل من مفردات التحايا ، وكأنها وجدت لتكتمل معه رفيقة عمر في المسرات والعثرات وهو ما برح يحوطها بالجوارح والأركان ، حتى تجرع من ثمالتها من يد البرابرة الطواغيت . ثم غادر المكان قبل أن يصبح ركاما ً ، والاعوام الباقية بعد المأساة دخلت في متاهة أحزانه وضاعت في شعابها . تلك أيام مضت ، ولكن أبا نعيم لا يفارقك حضوره ، قاؤئا ً يلتهم الكتب ، ويقتطف منها جواهر الكلام ، ولا تفوته شاردة من الأفكار القيمية في مظانها ، أو تخونه الذاكرة في إستدعائها متى يشاء ، فقد كانت كل الأدوات مطواعة له ، إلا أن ميلا ً لم يبدر منه إلى البحث أو التصنيف ، أو شيء من هذا وذلك مؤثرا ً الشفاهة على الكتابة ، ولو فعل عكس ذلك لكان أديبا ً مجيدا ً ، أو ربما مفكرا ً يستبر العمق ويغشى القضاءات الواسعة ، ولكنه أختار النضال طريقا ً ، من بداياته إلى نهاياته . وانهى كلمته قائلا ً : ليست هذه الكلمات سوى شهادة مبتسرة ، ففي جعبتي الكثير مما لا يتسع له المقام ، ولن أتأخر عن الإقضاء به ، متحديا ً وصيتك في تجنب الإطناب ... ولكنني لم أكن مبالغا ً قط ، فما هو إلا الوفاء ومبلغ الإمكان . تحية لك قامة ثقافية سامقة تحية لك مناضلا ً أسن ، ولم ينقض عهدا ً . تحية لك ثاويا ً بجوار المقاومين الشهداء . كلمة الأستاذ أحمد بعلبكي أبو نعيم شيخ الشباب والعقل نقل إلينا طلابنا وزملاؤنا من بنت جبيل بعضاً من تميز أفكاره فقصدناه وأدركنا منذ لحظة إستقباله لنا على مدخل داره أنه من فوارس الثقافة المعاندة ، وهو الذي نقش بقلم رصاص ، على مربع كرتوني بسيط ولافت على رف مكتبته ، قولا ً لأوسكار وايلد : << عندما يوافقني كل الناس أشعر بأنني مخطىء >> تهيبنا حضور أبي نعيم فأصغينا له بشغف متزايد وقد عرفنا أن الثقافة التي حصلها بعد خروجه من المدرسة في الصف الرابع الإبتدائي إلى المظاهرة والسجن والحياة ، جعلته خارج البداهات والولاءات المحلية لجيله وجعلت منه قارئاً متبصرا ً لا تستهويه الشهادات ولا الوظائف وجعلت منه صوتا ً عنيدا ً لعقلانية لا تتسع لها الأطر الضيقة لا في العصبيات الدينية أو الأهلية ولا في الهرميات الحزبية المستحدثة . أدهشنا ما يقوله بعينيه وأصابعه وبذراعيه أحيانا ً كثيرة مشيراً إلى تخلف ما يٌهيمن اليوم من تبذلات السياسة المتصدية لآفاق العقل والفلسفة ، فتمنى طلابنا الذين زاروه لو كان أستاذا ً في الجامعة لشدة إعجاب جسدوه بشريط مصور ، هذا الشريط الذي نعترف أنه لم يقل كل ما قاله أبو نعيم لأنه لن يبقى محصورا ً في الخواص ولن يبقى بمأى عن بسطاء العوام . لقد شدنا أبو نعيم لتذوق أجمل ما قرأه من أجمل الرومانسيات واجمل ما كتبه في حب أم نعيم ، كما وشدنا لقراءة كتاب (( إسرائيل شاحاك )) حول زيف الدعوة الصهيونية وهو كتاب قدم له إدوار سعيد ، وشدنا أيضاً إلى ما حفظه من قصائد (( لوركا )) و (( ناظم حكمت )) و (( ساراماغو )) وماركيز ونصوص محاكمة مارسيل خليفة والإتهامات الموجهة إلى رواية (( عبده وازن )) الذي لم يقل ويكشف في رواية (( حديقة الجواس )) ... وزاد في دهشتنا أن أبا نعيم يعرف أن نظرية إخوان الصفاء سبقت نظرية داروين ويذكرنا بان إبن الهيثم هو أسس لعلم البصريات ... عقود طويلة قضاها أبو نعيم مقدرا ً لطف أم نعيم التي لطالما خافت عليه من شقاوة معارضته . إنها عقود إنتهت بليال صعبة ، كانت ليال قضاها وهو يناجي روحها التي سلمتها إلى جانبه في ملجأ مهجور تحت هول القصف في أيام تموز 2006 ، لقد قرت عينا أبي نعيم وهو يشهد البطولات الجهادية التي أذلت الغطرسة الإسرائيلية في ساحات بنت جبيل ، أجل إن العناد في جهاد المقاومة بحاجة ، اليوم وأكثر من أي يوم مضى ، إلى مثل عناد أبي نعيم في جهاد الثقافة

- - -

Script executed in 0.19956707954407