أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

عين الطيطة في عيتا الجبل.. حيث للمياه و للتاريخ حكاية

الخميس 28 تشرين الثاني , 2013 11:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 24,166 زائر

عين الطيطة في عيتا الجبل.. حيث للمياه و للتاريخ حكاية

يضطر الباحث عن أي موقع في هذه المنطقة إلى التحليل ..

تحليل الحوادث والأمكنة واستنباط الأدلة والبراهين من تواتر الأحاديث وشيوعها وتناقل الخلف عن السلف والاستئناس بها لتكوين الصورة الصادقة عن كل منطقة في هذا الجبل " جبل عامل " وللحياة الإجتماعية والإقتصادية تسهيلاً للوصول إلى بعض الحقيقة ...

 محمد عبد الرضا سعد - حاص بنت جبيل.اورغ 

من المفيد إلقاء بعض الضوء على بعض الأمكنة والمواقع في جبل عالم ، والوصول إلى الهدف لا بدّ من إستقراء التاريخ ...

قبل إستقراء تاريخ هذه المنطقة يجب أن نعرف أين نحن .. وما نوع المكان الذي نعيش فيه .. ذلك أن للأمكنة خصائص .. بشرية .. طبيعية ورمزية .. ولكلّ مكان خصوصية شخصية وميزاته .. تماماً كما الإنسان .. والإنسان هو من يعمل ليعطي الأرض والمكان قدسية لا تضاهى .. 

من هنا .. لا بدّ أن نعرف بداية طبوغرافيا المكان التي تحدّد إمكانية الإستقرار البشري ويؤدي بالتالي إلى تكوين العائلة .. المجتمع .. الضيعة ثم الغربة .. 

أما الغوص في التاريخ واستقراءه ودراسته ، فإنّ فيه حقولاً ممتعة نتعرف إليها لنجد بين أيدينا بقايا تحكي أو تحاكي عظمة من سكن هذه الأرض على مرّ الزمن ...

بقايا ... أثرية ... طبيعية أو غير ذلك والتي لو قيض لها أن تكون في غير هذه الأماكن لكان لها الشأن والإهتمام الأعظم ...

قبل الإسترسال .. لا بدّ من الإشارة إلى أهمية منابع المياه في ردحٍ من زمن مضى ... وكما هو في كلّ حين ... حيث تشاد المنازل والحصون والقلاع والمعابد والمزارات والأسواق وغيرها قرب منابع المياه وتواجدها ...

وعلى هذا فإنّ موقع قرية عيتا الجبل ( عيتا الزط سابقاً ) على هضبة تشرف على أودية ثلاثة تحيطها من الجهات الجنوب والشرق وبعض من الغرب وهي بموقعها تشكّل خط الدفاع الأول عن قلعة تبنين من الجهة الجنوبية الشرقية ...

الأودية التي تحيط القرية غنية بالينابيع والعيون ...

- عين الفوقا أو عين الجوزات ... جنوبي غربي البلدة هذه العين مياهها خفيفة صالحة للشرب .

- عين الطيطة  أو البطيطة " تصغير بطة " هذه العين هي موضوعنا اليوم وموقعها :

شرقي البلدة على مقربة من معبد روماني أو بيزنطي لا تزال بعض آثاره شاهدة وربما تعود إلى زمن الأراميين الذين كانوا أول من بنى قلعة تبنين زمن سخاريب الأشوري سنة 690 ق . م .

النبع : نبع هذه العين غزير ومتدفق للوصول إلى ماء النبع على درج تعداده ثمانية وأربعين درجة ..

عرض المدرج هذه ابحدود ثلاثة أمتار ونصف المتر ...

الجدران مبنية بالحجر الصخري المتعدد الأحجام غالبيتها ضخمة وهذه العمارة يمتاز بها الرومان .. يضيق المدخل بعض الشيء عند منتصف الدرج حيث نجد قناطر مبنية من الحجر المقصب ويضيق المدخل رويداً رويداً عند نهاية القناطر الثلاث حيث تصل إلى " الوكر " ...

والوكر هو المكان التي تتجمع فيه مياه النبع لتغمر درجتين أو ثلاثة من مجموع الدرجات الثماني والأربعين ..

في فصل الشتاء تغطي المياه الدرج والقناطر لتصل وتغطي حوالي أربعمائة متر مربع لتفيض منها المياه وتنساب عبر الوادي جدولاً صغيراً يلتقي مع مياه العيون الأخرى ومياه الأمطار فيؤلفان نهراً صغيراً يسيل في عمق الوادي في فصلي الشتاء والربيع يسمع خريره إلى القرية أما المياه البركة غالباً ما كان بعض الصيادين في القرية ومن خارجها يصطادون البط البري الذي يمر مهاجراً إذ أن المنطقة من الممرات المهمة للطيور المهاجرة ..

إذ ربما تدخل تسميتها بالبطيطة من هذا المنطلق وصحفت مع الأيام لتصبح " الطيطة" .

مع نهاية فصل الربيع وعند انخفاض المياه في العين حتى الوكر.. يصبح باستطاعة أهل القرية تنظيفها من الحجارة الأثرية والوحول التي تجمعت فيها في نهاية الخريف والشتاء ذلك من أجل الحصول على مياه نظيفة صالحة للإستعمال ولسقاية الدواب والطرش ..

يجتمع الأهالي شبابها وشيبها وفي بعض الأحيان يقدم شباب من الجوار وكانهم جميعاً في مهرجان ...

حيث يصطفون على جانبي الدرج ويبدأ نضج الماء صعوداً أوعية ملأى ونزولاً أوعية فارغة .. وهكذا حتى يفرغ الوكر من الماء لينكشف الأمر عن سرداب منحوث في الصخر بعلو قامة وبطول أحدى عشر متراً يتجه من الشرق إلى الغرب .. ومنه تلج باباً بعلو قامة إلى بهو مساحته بحدود 3* 3 أمتار وبعلوّ يزيد على قائمتين ، سقف هذا البهو هو عبارة عن بلاطتان واسعتان ظاهرتان .. 

أما الجدار الجنوبي في البهو ففيه حجر يشبه رأس ثور تنساب منه المياه " تبارك الله أحسن الخالقين " .

أكثر الظن أن هذا العمل ليس من فعل الطبيعة وإنّما هو من فعل يد ماهرة في هذا المجال منذ الأزمنة القديمة نجهل فاعلها ...

يتداول بعض كبار السن في القرية أن القرية كانت تحاصر في السابق وهي منيعة لم يستطع أحد في الماضي الغابر أن يدخلها حرباً أو بقصد الغزو أو السرقة أو غيرها لأن أربعة أو خمسة أشخاص قادرين على حمايتها وعدم السماح لأحد في الدخول إليها .. وكان بعضهم يقول أن فيها أي تحت القرية سراديب تصل إلى مصادر الماء في حالة الحصار ...

ويقول بعضهم بوجود سرداب من البلدة حيث المعبد القديم يصل إلى عين الطيطة للوصول إلى الماء في حالات الحصار ويؤكد هذا الكلام العثور على سراديب تحت الأرض أثناء القيام بحفريات لبناء قواعد وأساسات من أجل تشييد بعض البيوت في تلك الناحية ومنها المدرسة الرسمية ..

من الجدير ذكره أن هذه العين كانت في زمن مضى قبلة العديد من أهالي القرى المجاورة ومقصدهم من أجل الحصول على الماء في أكثر أحيان الصيف والخريف وليس فقط في سني الجفاف والقحط من هذه القرى :

بيت ياحون – حداثا – الطيري وفي بعض السنين من برعشيت وكونين وقبل النكبة ضباع فلسطين كانوا يقدمون من هونين وبليدا وميس الجبل .. وغيرها ..

هذا النبع لم يبخل يوماً على قاصده في يوم من الأيام 

بالقرب من مكان العين .. وعلى مسافة أمتار قليلة يوجد مغسل أو مغتسل ...

المغسل لغسل الثياب والشراشف وغيرها والمغتسل يستحم فيه الشباب على طريقة الحمامات الشامية ويوجد حالياً في المكان عينه شجرة معمرة كأنّها الشاهد على المكان في الأيام الغابرة وموجودة لتحديد دوره في تلك الأيام ...

إضافة إلى ما تقدم لا بدّ من الإيضاح لطريقة وشكل توزيع المياه أو الحصول عليها أمام هذه الظاهرة دون الوقوع في مشاكل قد تحرم الجميع من المياه ...

وجهاء البلدة وملاكيها يومذاك كانوا يوكلون حماية العين إلى ناطور يقيم الليل والنهار عندها ... يحتفظ هذا الناطور بدور الواردين إليها كل في وقته ولا يسمح لأحد بالتجاوز حتى لو كان من أهل البلدة .. في حين أن مياه العين الفوقا كانت مخصصة فقط لأبناء البلدة دون غيرهم من الجوار إضافة إلى ذلك فإن عيوناً أخرى في البلدة مثل : العين السفلى وعين الكلبة وعين سعيد والعين الغربية وغيرها من الينابيع إلاّ عين الطيطة هذه كانت هي الأكرم وهي التي تسقي الجميع ...

عين الطيطة اليوم :

قد يجد القاريء " عين الطيطة " سواء بالأمس البعيد أو في الحاضر أنّها مكاناً عادياً ... لكن البعض الآخر يجد فيها ما يجد ؟ 

في زمن ما ... وقبل أن تعبث يد الإهمال بهذا المكان نتيجة وصول مياه الشفة إلى البيوت .. كانت الحاجة ماسة إلى هذه العين ...

واليوم وفي معظم الأحيان ... وماء هذه العين لا زال يتفجر من نبعها ليروي شتلة تبغ هنا .. أو خيمة زراعية هناك أو حقل قمح على أرضٍ بذل فلاحها العرق لينبت قمحاً ويصنع خبز الكرامة ..

هو الموقع هكذا ... النبع وفيّ كريم في العطاء .. كان ولا يزال .. يمد العامل في الأرض بماء الحياة ...

ليمتلك هذا العامل العقل والوجدان على مرّ الزمن للوقوف بوجه محاولات طمس الحقائق وسرقة الإنجازات وإنجاز فسحة صغيرة متاحة حاولت إلقاء بعضاً من ضوء على موقع من مواقع موارد الماء في أزمنة مضت حيث كان هذا قبلة العديد من أهالي القرية عيتا الزط والقرى المجاورة.. سبباً لإستقرار حياتهم الإجتماعية والإقتصادية ..

وإنّها للفتنة في غاية الأهمية من قبل ...

تسليط الضوء على هذا الموقع وعلى غيره من المواقع قبل أن يُطمس في متاهات الإهمال والإبهام .

محمد عبد الرضا سعد 




 

Script executed in 0.17262291908264