ليستقل وزير النقل والأشغال العامة غازي العريضي، ووزير المال محمد الصفدي. ليستقل رئيس الحكومة المستقيلة أصلاً. ليستقل رئيس الجمهورية. ليستقل مسؤول ما. أحد ما. أي أحد. لكن إياكم أن تقولوا للناس إن المسؤولية لا تقع على أحد. إياكم أن تتحججوا بالظروف الأمنية، أو حتى بالأزمة السورية. لماذا لم تنظف قنوات المياه والمجاري قبل موسم الشتاء؟
هذا هو السؤال. وكل كلام سواه هو إمعان في «الجريمة». يسمع اللبنانيون، دائماً، عن استقالات وزراء في دول العالم، التي تحترم شعوبها، والتي تحاسبها شعوبها، في حال حصول انقطاع طارئ وغير مبرر في التيار الكهربائي. اللبنانيون يسمعون، ويسخرون من أوجاعهم، من أنفسهم، عن وزراء في غير دول استقالوا لأسباب «تافهة».
أما في لبنان، فأن يغرق أطفال، أمس، في نفق طريق المطار، وينجوا من الموت بأعجوبة، فهذا طبعاً لم يولّد «شجاعاً» من بين المسؤولين ليضرب على صدره ويقول: «أنا المسؤول». كل هذه الأسئلة، أو قل الشكاوى الغاضبة، كانت ألسنة الناس في الشارع ترددها أمس. كثيرون منهم شتموا الدولة، شتموا الجميع، بعبارات لا يمكن إيرادها هنا. كانوا يشتمون وثيابهم تقطر ماءً.
الحادثة ليست فريدة من نوعها. وهذا ما يزيد من «قرفها». تتكرر كل عام مع كل «شتوة». كانت السيارات تمر من داخل النفق، عصر أمس، وفيه بعض المياه، لكن فجأة اجتاحت المياه ذاك الممر الذي بات يُشبه البئر. سيارات غرقت تماماً. ما عاد يظهر منها شيء. بعض «الفانات» نزل منها ركابها، منهم من ركض، ومنهم من تأخر ليجد نفسه يسبح للوصول إلى اليابسة. راح البعض يعمل على إخراج بعض الأولاد، الذين لا يعرفون السباحة، وفعلاً أنقذوهم. إلى هذا الحد كانت المياه عميقة. كبار في السن كانوا يرتجفون من شدة البرد، بعدما ابتلت ثيابهم، والفظيع أن ما من أحد كان ينتظرهم ليقدم لهم وسائل الدفء. أين القوى الأمنية؟ أين الدفاع المدني؟ أو أي أحد؟ هؤلاء لكي يصلوا إلى المكان، هذا طبعاً على فرض سرعتهم، يحتاجون إلى طريق سالكة. لكن ما العمل بعدما بلغت زحمة السير مسافات خيالية.
حلّ المساء وزاد الظلام ظلاماً. ما عاد يمكن رؤية شيء في النفق، وكان فيه بعض السيارات الغارقة، وبعض المحاصرين بالمياه الذين ينتظرون من يخرجهم. أين وسائل الإنارة داخل النفق؟ إنها مقطوعة. ما السبب؟ تجيب مؤسسة كهرباء لبنان بأن «فيضان مياه الشتاء أضر بالأسلاك الكهربائية ولهذا انقطع التيار». المشهد أكثر من بائس. مؤلم. لا شيء يدفع إلى الكفر بالدولة أكثر من مشهد أمس المضاف إلى مشاهد القتل.
الوزير غازي العريضي غائب عن السمع. لا يردّ على هاتفه. كأنه لم يسمع يوماً عن «حالة الطوارئ». لمن تتبع تلك المنطقة؟ يتبيّن بعد السؤال أنها عند تقاطع نطاق بلديات الضاحية الجنوبية وبلدية الشويفات. رئيس بلدية الغبيري محمد الخنسا كان يشاهد ما يحصل على التلفزيون، بعدما علق في زحمة السير لساعات، قبل أن يصل أخيراً إلى منزله. يقول إن تلك المنطقة تقع ضمن نطاق بلدية الشويفات. نبحث عن وسيلة للاتصال برئيس البلدية المذكورة، فيأتي الجواب: «إنه خارج لبنان».
نعود للخنسا، نسأله عمّا يحصل، فيجيب: «نحن في الضاحية الحمد لله كانت الأضرار عندنا خفيفة، وذلك لأننا لم ننتظر وزارة الأشغال لتنظف المجاري والقنوات، بل عمدنا نحن إلى تنظيفها، ولكن هذا لم يحصل في مناطق أخرى منها منطقة نفق طريق المطار – خلدة. الغريب أنها منطقة قريبة من البحر، ويجب ألا يحصل هذا، ولكن بما أنه حصل فهذا يدل على حجم الإهمال وتراكم الأوساخ». ويضيف الخنسا: «ذلك النفق يُعَدّ طريقاً دولية، ومسؤولية تنظيفه ليست على البلديات، بل تعود إلى وزارة الأشغال... عقود التلزيمات مع الشركات التي تُنظّف قنوات السيول تأخرت هذا العام، تأخرت لأشهر، إلى أن حصلت أخيراً، ولكن يبدو أنه فات الأوان». ما حصل أمس، في النفق المذكور، بحسب خبراء، هو أن السيول كانت تتراكم بسبب الأتربة المتراكمة، ولكن في النهاية وجدت المكان الأضعف في شبكة القنوات وانفجرت منه، وهذا «ما يُفسر تدفق المياه دفعة واحدة، مثل الموجة الضخمة، إلى داخل النفق». ثمّة من تحدث أيضاً عن نهر يمر هناك، ربما نهر داخلي في الأرض أو ما شاكل، هو الذي أدّى إلى الفيضان. كثرت النظريات أمس، كثر المحللون، لكن بمستوى الكثرة ذاته كان خرس المسؤولين عمّا حصل.
انفقت وزارة الأشغال العامة في عام 2013 46 مليار ليرة، ولزّمت مشاريع بقيمة 271.9 مليار ليرة، لكنها تؤكد أن وزارة المال لم تصرف لها الأموال اللازمة لتلزيم صيانة المجاري.
في المقابل، تظهر جداول وزارة المالية أن تلزيم مشاريع صيانة وتأهيل تصريف المياه تبلغ قيمتها 220 مليون ليرة، فيما تبلغ قيمة مشاريع رفع الثلوج 500 مليون ليرة. وهناك قسم كبير من هذه الاعتمادات مدوّر ومعقود النفقة، أي إن تلزيمها بلغ مرحلته النهائية، وقد حجزت له الأموال وترتّبت للملتزمين حقوق على الدولة يمكنهم أن يطالبوا بها.
وكان الوزير العريضي قد أعلن في شهر أيلول الماضي أن الطرق ستغرق بالمياه ولا يحاولنّ أحد تحميل وزارة الأشغال المسؤولية. وحتى الآن لم نعط أمر مباشرة العمل للشركات لعدم توافر المال، وذلك بسبب فلسفة تصريف الأعمال في وزارة المال الحالية». لكن السجال بين العريضي ووزير المال محمد الصفدي انتهى إلى اتفاق على المباشرة في الأعمال، وخصوصاً ان الوقت كان يدهم الجميع.
وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن العديد من الشركات المتعهدة قد انجزت غالبية الأعمال الموكلة اليها باستثناء شركة المقاول جهاد العرب الذي أصر على تسوية الموضوع المالي قبل المباشرة بالأعمال.
وأشار مصدر في وزارة الأشغال إلى أن تاهيل المجاري في نفق الكوكودي تتولاه شركة الشرق الاوسط لخدمات المطار التي انشأتها شركة طيران الشرق الأوسط، الأمر الذي يعني أن المدير العام للشركة محمد الحوت، يتحمل كامل المسؤولية عن الكارثة التي وقعت هناك.
مشهد الكوكودي لم يكن استثناءً؛ فالأمطار أغرقت العديد من الطرقات والأنفاق بينها طريق مار مخايل ـ بعبدا التي أغلقتها قوى الأمن. وفي الشويفات، شكلت مياه الأمطار بركاً ومستنقعات عند مفارق بشامون ومحفوظ ستورز وغندور، واحتجز عددٌ من السيارات. وفي مدينة رفيق الحريري الجامعية في الحدث وصلت مياه الأمطار إلى الطبقات السفلى في مبنى كلية العلوم الذي يخضع للترميم. وكشف د. عادل مرتضى رئيس اللجنة الفنية في الجامعة، أن المبنى الذي رمم عام 1992 يعاني سنوياً من تسرب المياه بسبب تشققات في قناة العزل في منتصفه، وتجري حالياً ورشة إعادة تأهيل كبيرة أدت إلى حدوث تسرّب المياه بهذه الكمية إلى الطبقات السفلى التي لا يزال الطلاب يستخدمونها لعدم وجود قاعة إضافية لاستيعابهم أثناء القيام بأعمال الترميم. ولفت مرتضى إلى أن المتعهد سيقوم بتغطية الأشغال الحالية إلى حين هدوء العاصفة، مع الإشارة إلى أن أعمال العزل تحتاج إلى طقس غير ماطر لاستكمالها.
وبين مستديرتي الحايك والمكلّس حجزت السيول السيارات بعد تسرب الأتربة والرمال من ورش عمل قائمة لإنشاء جسر ونفق. وتحول الأوتوستراد الساحلي من الصيفي إلى الضبيه إلى مرأب عائم للسيارات بسبب غزارة السيول. وشهدت الطريق البحريّة من جسر الكرنتينا إلى الدورة زحمة سير خانقة بسبب برك المياه الموحلة. وسُجلت فيضانات في الطرق الداخلية لمنطقتي برج حمود والنبعة حيث دخلت المياه إلى المنازل في الطبقات الأولى. وسببت سيول الأمطار عرقلة السير في منطقة غاليري سمعان - الحدث. ومن «جسر الرينغ» باتجاه الأشرفية، وشهدت مداخل فرن الشباك - العدلية، الحازمية - الشفروليه صعوداً نحو الحدت، زحمة سير خانقة.
وارتفع منسوب نهر الغدير في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، ما أدى إلى دخول المياه إلى عدد من المنازل. وفي بعبدا سببت الأمطار دخول المياه الى منازل حي الصوانة، رغم مناشدة أهالي الحي المتكررة بلدية بعبدا لوقف اعمال الردم في مشروع فرز في منطقة الخندق أدت إلى إغلاق عبارة المياه سكة الحديد. ورغم صدور قرار عن التنظيم المدني بوقف أعمال الردم قبل شهر، إلا أن بلدية بعبدا رفضت الزام المتعهد بتنظيف مجرى المياه، رغم صدور توصية بهذا الشأن عن وزارة البيئة بالاستناد إلى شكوى رفعتها بلدية الحدث. وعلى طريق كفرشيما - بطشاي، أدى انهيار صخري إلى قطع الطريق، وساعدت فرق الدفاع المدني في إنقاذ المواطنين العالقين داخل سياراتهم.
وأدّت الأمطار إلى سدّ عبّارات ومجاري الصرف الصحي في مدينة النبطيّة، وتحويل الطرق إلى برك مليئة بالمياه والمستنقعات، وعمل عمّال البلدية على فتح العبارات وتصريف المياه.
وعلى طريق عام زبدين - النبطيّة، شكّلت الأمطار بحيرات عرقلت حركة السير، وعمل عمّال بلدية زبدين أيضاً على فتح قنوات مياه الأمطار وتصريفها وتسهيل حركة السير على الطريق العام.
وأصدر المدير العام لقوى الأمن الداخلي بالوكالة العميد إبراهيم بصبوص، أمراً إلى كل قطعات قوى الأمن الداخلي من مخافر وفصائل ودوريات طوارئ، إضافة إلى مفارز السير، قضى بوجوب الحضور الفوري لأكبر عدد من الضباط والعناصر على الطرق، ومساعدة المواطنين، وتسهيل حركة المرور، والمساهمة في إزالة العوائق. وتدعو المديرية العامة للدفاع المدني إلى ضرورة الاتصال بغرفة عملياتها على رقم الطوارئ 125 لطلب المساعدة.