أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

عدّة الفقراء لمواجهة الصقيع الآتي من القطب

الإثنين 09 كانون الأول , 2013 07:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,844 زائر

عدّة الفقراء لمواجهة الصقيع الآتي من القطب

تحقيقات | كادت «التشارين» تُنسي أهل الجنوب أن ثمة شتاء. فالدفء الذي رافق تلك الأيام، أسقط من حسابات الأهالي قصة الاستعداد للموسم العاصف. لكن، مع «البروفا» الكارثية، الأسبوع الماضي، التي حلّت على حين غرّة، تنبه هؤلاء إلى كارثتهم، عندما افتقدوا لـ«عدّة المواجهة»، يقول المزارع حسن مصطفى. ففي لحظة عاصفة، اكتشف أهالي القرى الجنوبية أنهم «بلا ولا شي». ومع انتشار الأخبار عن العاصفة الآتية من القطب الشمالي، سارعوا إلى تجهيز منازلهم بما أمكن من وسائل توفّر لهم التدفئة بأقل «كلفة ممكنة»، يتابع مصطفى. ولأن لا طاقة للناس على شراء المازوت أو الحطب لمواجهة الصقيع الآتي، عاد الكثيرون إلى حقولهم. لا للعمل في الزراعة، بل لجمع ما تيسر من أغصان الأشجار اليابسة لاستخدامها في المواقد التي استحدثوها على عجل «لمن لا يملك ثمن شراء صوبيا»، يتابع. أما من يملك ذلك الترف، فلا يملك بطبيعة الحال المال الكافي لشراء مازوت التدفئة أو الحطب الجاهز، لسعره العالي. لذلك، سيعمل هؤلاء كغيرهم على جمع الأغصان اليابسة، ولو من حقول الغير، أو السماح لنفسه بالتعدي على الملك العام: على الأحراج. تلك التي لم تسلم من «غزوات» الفقراء... والجشعين أيضاً. وبعيداً عن الجشعين المستغلين لبرد الفقراء، قد تكون جميلة عطوي، من بلدة مركبا، نموذجاً عن حال الفقر التي يعانيها أبناء القرى النائية، المنتشرون اليوم في حقول الزيتون والتين والرمان؛ «لأن لا بديل لنا من الحطب المجاني في مواجهة برد الشتاء»، تقول المرأة السبعينية. هذه المرأة التي تستيقظ قبل النور في مثل هذه الأيام حاملة المنشار، مثلها مثل الكثيرين الذين لا يملكون «20 ألفاً ثمن تنكة مازوت بالكاد تكفينا لبضع ساعات»، تتابع. أضف إلى ذلك «أننا بسبب هذا الغلاء استغنينا عن المدافئ وأقمنا مواقد الفحم بديلاً». لم تلجأ جميلة وحدها إلى هذا الأمر؛ فالكثيرون فعلوا ما فعلت. استبدلوا بالمدافئ المواقد، أو في أحسن الأحوال «لجأوا إلى الحدادين ليصنعوا مدافئ من الحديد؛ لأن سعرها غير مكلف وتدوم أكثر ربما»، يقول أحد تجار المدافئ محمد نور الدين من قرية خربة سلم الذي يشهد «على التراجع في أعداد الزبائن».

وفي إطار خفض الكلفة أيضاً، لجأ العشرات من الأهالي في بنت جبيل ومرجعيون إلى جفت الزيتون بديلاً آخر من المازوت. وفي هذا الإطار، بدأت تنشط هذه التجارة، حيث يعمد بعض أصحاب معاصر الزيتون إلى استخدام آلات مخصّصة لضغط الجفت بواسطة قوالب صغيرة ليسهل وضع المنتج الجديد في «وجاق الحطب». وهذه الوسيلة، بحسب محمد فتوني من بلدة الصوانة «مفيدة جداً للمستهلك والمزارع وأصحاب المعاصر معاً، وتسمح بالتخلص من نفايات الزيتون المضرة بالبيئة، وتحدّ من قطع الأشجار بهدف الحصول على الحطب». وإلى تلك الميزة، تضاف أخرى، أن «جفت الزيتون غير مكلف وأرخص من الحطب الذي يبلغ سعر الطن منه 600 ألف ليرة لبنانية، في حين أن سعر طن الجفت المجفّف والمقولب يبلغ 200 ألف ليرة، وتحتاج العائلة إلى 2 طن شتاءً، شرط أن تكون الصوبا من الحديد السميك، بينما تحتاج العائلة التي تستخدم المدافئ العاملة على المازوت إلى ما يزيد على مليون ومئتي ألف ليرة في الموسم»، يقول فتوني.

بعيداً عن هذه الوسائل، ابتكر بعض الأهالي أساليب أخرى للتدفئة، كأن يعمل البعض على مدّ «قساطل المدفأة من غرفة الجلوس إلى غرفة أخرى مثلاً قبل إخراجها إلى الهواء الطلق». والهدف من هذا «الاختراع» تدفئة الغرفتين معاً. وانتشرت أيضاً ظاهرة استخدام «وجاق» الحطب وسيلةً لتسخين خزان المياه الدافئة، بعد «وضع الوجاق في إحدى زوايا المنزل ووضع قازان المياه عليه، وتغطيتهما بعازل خشبي، بعد مدّ أنابيب المياه الساخنة من الخزان إلى المطبخ والحمام»، كما يقول فتوني. كل تلك الابتكارات يجدها الفقراء هناك أهون على الجيب من شراء المازوت الذي لا تكاد تكفي الصفيحة الواحدة منه لإشعال المدفأة بضع ساعات.


Script executed in 0.19357109069824