أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

شتاء إقليم التفاح: دفء ومناقيش

الأربعاء 18 كانون الأول , 2013 08:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 7,239 زائر

شتاء إقليم التفاح: دفء ومناقيش

فالعاصفة «ألكسا» لم تكن أشدّ قسوة من عواصف السنين الماضية، وهي مرّت كما كل سابقاتها بهدوء. والمواطن في هذه المنطقة، يتكفل بتأمين مستلزمات دفئه وسلامته، من دون أدنى التفات رسمي لما قد يعانيه جراء انقطاع التيار الكهربائي، وقطع الطرق، ودخول المياه إلى العديد من المنازل. أما الثلج فقد تساقط العام الماضي على ارتفاعات متوسطة في الإقليم وشرق صيدا، بينما مع «ألكسا» فكان افتراضياً على غرار أشياء عدة في البلد. 

معظم البيوت في بلدات إقليم التفاح وشرق صيدا تستعمل «صوبية حطب»، لأن سعر المازوت مرتفع، وقد لا يتوفر أحياناً، وبالتالي لا يمكنهم التعويل عليه للتدفئة، ولا سيما أنّ تعبئته تتطلب الخروج من المنزل، وهذا قد يكون شاقاً في أوقات اشتداد العواصف. يقول حسن حمدان من كفرملكي: «مش سهل الخروج من المنزل إذا كان الطقس شتاء، وأوقات الصحو تكون قليلة مع برد شديد. الخروج من المنزل يكون في حالات ضرورية». 

أمّا بالنسبة لأسعار الحطب هذا العام، فقد تجاوز المتوقع، وحطب السنديان مقطوع. الأهالي يعولون على بساتين الليمون أو على بعض الأشجار المثمرة، التي وفق موسى مرسل «لا تسمن ولا تغني من جوع، ما في غير السنديان للدفا، هذه السنة اشترينا حطب مشكّل، مجموعة نباتات مختلفة، سرو، زيتون، صنوبر، ليمون ولوزيات». يضيف: «أفضل شي فيها الليمون، لأنه لا يعطي دخان ويحترق ببطئ أكثر من الأنواع الأخرى». 

سعر الحطب يختلف بحسب نوعه. علي شكيب يستغل موسم الخريف والشتاء لكسب دخل إضافي. يقول: «أبحث عن فلاحين يريدون تغيير زراعتهم، يقطعون الزيتون أو الليمون، أضمن البستان، من قطع وتنظيف ونقل، مقابل أن يكون الحطب لي، وبعدها أقوم بتقطيعه قطعاً صغيرة في منزلي وأبيعه». يضيف: «لست تاجر حطب متخصصاً، ولكني أعمل في هذا المجال، لتأمين دخل إضافي».

أسامة يعمل، كذلك، في قطع الأشجار، وهو يبيع نقلة الحطب بسعر أقل بقليل من السوق بهدف المنافسة. وسعر المتر المربع من الحطب، تراوح بين مئة دولار وثلاثمئة دولار، بحسب النظافة والحجم والنوعية. فالسنديان ثمنه مرتفع جداً، لندرته ولمنع البلديات المواطنين من قطعه.

يقول أسامة: «أنا بصحللي لقطات، أحيانا سنديان، صنوبر، وخصوصاً وقت العواصف. لكن بشكل عام الأحراج بالمنطقة ما فيك تفوت عليها، ممنوع». هذا المنع لا يأتي من مأموري الأحراج، لأن مصلحة الزراعة في النبطية بعيدة جداً عن قرى الإقليم. وإن كانت هذه المنطقة ضمن نطاق المصلحة، إلا أن المسافات بينها وبين بلدات الإقليم وشرق صيدا تحتاج إلى أربعين دقيقة كحد أدنى للوصول إلى أي حرج يتعرض للقطع.

السنديان الأفضل 

يتميز إقليم التفاح بأحراجه الكبيرة وغالبيتها من الصنوبر الذي لا زبائن له، لأنّ اشتعاله تنبعث منه رائحة قوية ودخاناً. أمّا الأنواع الأخرى من سنديان وملول وبلوط ولزّاب، فأصبحت شبه معدومة في المنطقة. 

يدفع عزّت الطويل ثمن نقلة حطب السنديان الصغيرة ما يقارب سبعمئة دولار، ويشير إلى أن حطب السنديان هو الأفضل والأقل ضرارا بالصحة من غيره. أما علي شريم من حومين الفوقا فهو لا يضطر إلى شراء الحطب أبداً، بعدما ابتاع منشاراً صغيراً كغالبية أبناء المنطقة، وهو يقطع الأشجار «لمن يريد من الأقارب»، ويجمع مخلفات التشحيل في موسم الزيتون، و«من هنا وهناك أتدبر أمري». 

غالبية الناس في إقليم التفاح لا يعتمدون على الحطب وحده، فهم يستعينون بالمدفأة الكهربائية، ما يتسبب بإضعاف الشبكة الكهربائية لعدم قدرتها على تحمل كمية السحْب الكبيرة، إضافة إلى الأعطال التي تسببها العواصف، لعدم وجود كابلات تحمي الأشرطة الكهربائية الممتدة داخل البلدات وفوق المرتفعات. 

وأمام المشاكل المتكررة في الكهرباء يستعد المواطنون لتجهيز أنظمة بديلة، كالـ«يو بي أس»، أو المولدات الكهربائية الصغيرة. «على الأقل يتيح الـ«يو بي أس» للأولاد أن يدرسوا على ضوء مقبول»، كما تقول ناديا من بلدة كفرحتى. «أنا بخاف من الشمعة، أول الشتا منفحص البطاريات، لأن زوجي مسافر، وما منقدر نعتمد على كهربا الدولة». أما بالنسبة لبعض البلدات الصغيرة ومنها بلدة كفر شلال، فقد قامت البلدية بتأمين إشتراك لكل المنازل، وفي أي وقت ينقطع التيار الكهربائي، وفق ابنة البلدة ميراي فارس. 

لا تقف استعدادت الشتاء عند التدفئة ومستلزماتها، فإن قسوة الشتاء وغزارة الإمطار يدفع الكثيرين من الأهالي سنوياً، إلى طلاء منازلهم بمواد عازلة تمنع «النش». يقول أحمد حمود: «وضعت زفتاً ورصفت سقف البيت، حتى ما يصير عندي نش، حالياً اكتشفت أن الجدران الغربية تسمح بدخول الأمطار». هشام يعاني، أيضاً، من المشكلة نفسها، كل سنتين، يدفع «ميزانية محترمة» كما يقول، لصاحب محل لبيع ستائر النيلون. «أضعها على الشبابيك وأغلقها كل فصل الشتاء، لأن الأباجور لا يحمينا من الأمطار والهواء».

أما من ناحية تأمين المستلزمات الغذائية، فإن معظم النساء يحضّرن مونة بلدية تغنيهم عن الخروج من منازلهن لأيام. تقول لمى بحمد: «أصلاً بفصل الصيف لا نجد كل متطلباتنا بالمتناول كيف بالشتي؟». تضحك لمى، وتؤكد أنها تقوم بإعداد المونة حتى تكون جاهزة دائمة لأي ضيف مباغت. وعندما تسأل أحد بائعي الخضار في كفرحتى عن سعر البطاطا الحلوة، يجيب ضاحكاً: «عم تسأل وألكسا هون...». 

علي حمدان، يفضل ترك بيروت نهائياً والانتقال إلى منزله في كفرملكي نهائيا، لكن صعوبة التأقلم مع فصل الشتاء كانت تحول دائماً دون اتخاذه مثل هذا القرار. فالتلاميذ في بعض أيام فصل الشتاء يقضون وقتهم في المنازل ويأخذون عطلة قسرية، نظراً لصعوبة التنقل من وإلى المدرسة، فبلدات الإقليم وشرق صيدا تنتشر ما بين واد وجبل والطرق الموجودة ليست مؤهلة بما يكفل السلامة العامة في الشتاء، فانزلاقات السيارات بالجملة، والضباب دائم، وانعدام الرؤية عند المواطن دائم أيضاً، وغياب الدولة بمؤسساتها واقع ملموس. كل هذا الإهمال لا يحجب صورة الشتاء الدافئة في المنازل، ولا رائحة المناقيش على أنواعها من «الفرنية»، ولا طقطقات الكستناء المشوية في ظلّ العاصفة الهوجاء التي تزمجر خارجاً، وتمنع كل حي من التجول في الطرق. 

 

مايا ياغي - السفير 


Script executed in 0.22370195388794