وإما من وفق إلى الغربة منهم فقد كتب مع السعداء.
في هذه البلدة الحدودية، شكلت هذه المهنة في يوم من الأيام مصدر دخل وحيداً لأكثر من تسعين في المئة من العائلات، إلى أن وصلت إلى حافة الانقراض قبل بضع سنين، فسكتت «شواكيشها» على كعوب «سندانها»، وصدأت «دشلها»، وما عادت صالحة لدق مساميرها. لكنّ المهنة عادت منذ مدة قصيرة لتفيق من سباتها فجأة بفعل تطورات عدة: داخلية وتتمثل بالتشديد الجمركي على الواردات، وخارجية وأهمها الأزمة السورية وتراجع الصناعة في البلد الجار.
هنا في الساحة القديمة، بقي أبو علي حسين الحوراني الذي مزج بين مهنة الإسكافي والكندرجي، صامداً أمام السلع المستوردة التي غمرت الأسواق وأكلت من عدد الزبائن، إلا أنّه لا يخفي الانتعاش الملحوظ من جانب المواطنين على تصليح الأحذية القديمة. ويقول مستذكراً بعضاً من تاريخ هذه المصلحة ومن أرباب المصلحة القدامى: «هناك بعض المواطنين لا يزالون يفضلون تصليح أحذيتهم، وهناك من يفضلون شراء الأحذية الصينية الرخيصة، وهذا ما تسبب بتناقص زبائن الإسكافي». ويرى أن استمرار هذه المصلحة هو بسبب الوضع الاقتصادي الصعب للأهالي الذين باتوا يلجأون إلى تصليح أحذيتهم مرتين وثلاثاً.
أما الشاب ياسر الأشقر الذي فضّل الانتقال بمهنته من سكنه المؤقت في برج حمود إلى بلدته بنت جبيل، فيرى أن هناك إقبالاً لافتاً على محله لتصليح الأحذية في سوق بنت جبيل، ويلفت الأشقر إلى أنها مهنة دائمة، والدليل على ذلك مقولة «الإسكافي باقي ما دام في حدا ماشي». ويعتبر أنها مهنة جميلة ومتعبة في آن، إذ يضطر ممتهنوها إلى الجلوس طويلاً على كرسي وقد تصيبهم أمراض مختلفة.
أما الإسكافي حسن عبود الذي يقصد سوق الخميس في بنت جبيل آتياً من عين بعال، فيقضي يومه كاملاً بين المسامير والمواد اللاصقة وآلة الدرز، والمطرقة والسندان. يحاور الزبائن ويداه لا تفارقان فردة حذاء يقلبها بين راحتيه بخفة. عبود لا يجادل كثيرا في بدل التصليح إلا إذا أصرّ الزبون، إذ يعتمد البدل على الوقت اللازم للتصليح إذ ان تكلفة المواد هي في أغلب الأحيان قليلة.