هنا محاولة لتسليط الضوء على دور العائلات في كسروان
غسان سعود - الاخبار
تحمل عبارة العائلات أو البيوت سياسيّة أكثر من معنى. فقد يُقصَد بها العائلات الكبيرة عددياً التي تملك قدرة التأثير على نتائج الانتخابات النيابية، فتفرض مرشّحيها على لوائح القوى السياسيّة. كما يمكن أن تعني تلك العائلات التي تؤدّي دوراً مؤثّراً في الحياة السياسيّة منذ أيّام العثمانيّين، رغم تواضع عدد أفرادها.
في الحالتين، تواجه الأحزاب معضلة التعامل مع هذه العائلات، فتتراجع عشيّة كل انتخابات عن شعاراتها «التقدّميّة» لتبحث عن تحالف مع العائلات. وفي الحالتين، تشكّل كل عائلة كياناً سياسياً مستقلاً (أو كيانين)، فيه الزعيم ـــــ البيك أو الشيخ، وفيه شبكة العلاقات العامة من مجالس بلدية ومخاتير ونوادٍ رياضيّة وسماسرة انتخابات، وفيه أيضاً التنفيعات الخدماتيّة من شرطي البلدية حتى وظائف الفئة الأولى.
تتفاقم هذه الظاهرة في «المناطق المسيحيّة». فخلال العقدين الماضيين، تقلّص نفوذ العائلات عند الطائفة الشيعيّة منذ الصعود القويّ لحركة أمل، ثم حزب الله (وقد استفاد الحزبان من ضرب الأحزاب اليساريّة، وخصوصاً الحزب الشيوعي، لبنية العائلات الشيعيّة)، ولم يترك الرئيس رفيق الحريري عائلة سياسيّة سنيّة من دون أن يحاول إغلاق منزلها، مستعيناً بقدراته الماليّة الكبيرة، فيما ازداد نفوذ العائلات عند الطائفة المسيحيّة منذ مطلع التسعينيات نتيجة تراجع حضور الأحزاب المسيحيّة، واعتماد الإدارة السوريّة على هذه العائلات لملء الفراغ السياسي في الوسط المسيحي. ومع عودة ميشال عون وسمير جعجع إلى العمل السياسي الفاعل، بدأ التنافس على هذه العائلات. هكذا خاطب جعجع أخيراً عائلات كسروان، قائلاً إن القوات اللبنانية ليست حزباً بالمعنى السياسي الضيّق للكلمة، محاولاً إشعار العائلات بأنّ تحالفها مع القوات لا يحدّ من استقلاليّتها، فيما يشدّد عون دائماً على أن سبعة فقط من نواب تكتل التغيير والإصلاح هم من التيار الوطني الحر، أمّا الباقون فمستقلّون. يعرف التيّار والقوّات إذاً أنّ الأهمّ بالنسبة إلى زعماء هذه العائلات هو عدم الذوبان في حزب تحترق معه إن احترق. ويمكن القول إن الاستمرارية عبر التحالف مع الأقوى كانت عقيدة هذه العائلات منذ عهد العثمانيين.
في كسروان، يكثر الكلام أخيراً عن هذه العائلات. ويبدو لافتاً أن أقدم عائلتين في المنطقة فتحتا الطريق أمام عودة الموارنة إلى كسروان ـــــ عائلة دحداح (كونت رشيد الدحداح أسّس صحيفة paris في فرنسا) وعائلة حبيش (رئيس بلدية جونية اليوم هو جوان حبيش) ـــــ لم يتمثّلا في المجالس النيابية المتعاقبة منذ عام 1927. وحالهم من حال آل باخوس الذين عرفوا بإحضارهم مياه الشفة إلى الفتوح، لكن لم يكن لهم أي دور سياسي رغم نفوذ عميدهم نعوم باخوس في أواسط القرن الماضي.
أما العائلات الكبيرة عددياً، والتي يفترض أن تكون صاحبة السلطة، فلم تمثل في المجالس النيابية، ولم يكن لها يوماً مرجعيات تأخذ القرارات وتنسج التحالفات. ومن أبرز هذه العائلات، زغيب وخويري، وخليل (تعدّ قرابة 3000 ناخب وقد توافقت بنسبة كبيرة عام 2005 على ترشيح الطبيب يوسف خليل مع العماد ميشال عون)، وافرام ـــــ عقيقي الذين أنشأوا روابط عائلية (لهم حضور قوي في بلدات: ميروبا، فاريا، كفرذبيان وغوسطا).
من هنا، فإن القصد من الكلام عن عائلات وبيوتات كسروانيّة سياسيّة، عشية الانتخابات، هو عائلتا الخازن وزوين بدرجة أولى، وعائلات بويز، البون وافرام بدرجة ثانية.
آل الخازن
توارث آل الخازن منذ تأسيس لبنان الكبير تمثيل قضاء كسروان في المجالس النيابيّة المتعاقبة (باستثناء مجلس 1960). لكن العائلة لم تكن يوماً موحّدة، إذ غالباً ما كان لها مرشحان أو أكثر يتنافسون في ما بينهم، فتذهب أصوات العائلة الصغيرة نسبياً باتجاهين أو أكثر. لكنّ الملاحظ، كما يرى المطّلعون على أمور الانتخابات في كسروان، أنّ الخازنيّين إن ترشّح ثلاثة من عائلتهم ينتخبون الثلاثة، وهم في هذه الحالة لا يلتزمون بلائحة. كما تجدر الإشارة إلى أن الخازنيين كانوا في معظم الأوقات محزّبين، وقد اعتادت العائلة الانقسام سياسياً إلى فريقين منذ أيام النائبين السابقين فريد الخازن وكسروان الخازن (الأول من الكتلة الدستورية، والثاني من الكتلة الوطنيّة. وفي عزّ ذلك الانقسام، كتب خازنيّون كثر على الورقة الانتخابية نفسها اسمي مرشّحيهما: الدستوري والكتلوي).
واليوم، تنبئ المعطيات الكسروانية بنيّة ثلاثة من أبناء آل الخازن على الأقل الترشح، وهم: النائب الحالي فريد الخازن، النائب السابق فريد هيكل الخازن وكلوفيس كلوفيس الخازن، وربما انضمّ إليهم رئيس نقابة المقاولين المهندس فؤاد الخازن. وستتوزع أصوات العائلة بالتالي على هؤلاء المرشحين تبعاً لخلفيّة سياسيّة أكثر منها عائلية، علماً بأن معظم الأسماء التي ذكرت تتمتّع بنفوذ خارج آل الخازن أكبر من نفوذها داخل العائلة.
آل زوين والعصب العائلي
تبدو حال آل زوين على صعيد العصب العائلي أفضل من حال آل الخازن بكثير، ربما لأن عدد ناخبي هذه العائلة أقل من ناخبي عائلة الخازن، وربما لأن الزعامة بقيت منذ أيام الفرنسيين محصورة في منزل واحد (يعدّ جورج «بك» زوين أول نائب في العائلة ـــــ دورتي 1947 و1951، ثم ورثه ابنه موريس زوين ـــــ دورات 1953، 1957 و1964، وحالياً هناك ابنته جيلبرت زوين ـــــ دورة 2005).
ولدى آل زوين (قرابة 1500 ناخب) الذين اشتهروا بعدم التشطيب، ثلاثة مرشّحين محتملين اليوم (النائبة جيلبرت زوين، السيد إيلي زوين، والطبيب نسيب زوين). وداخل معقلهم، بلدة يحشوش، ثمة وجود قوي للتيار الوطني الحر ولحزب الكتائب (رئيس البلدية كتائبي)، علماً بأن غالبية أبناء العائلة، وفق أكثر من مصدر، ما زالوا يلتزمون كلمة السر التي تأتيهم من منزل النائبة جيلبرت زوين التي لا تقوم زعامتها على مساعدات ماليّة أو اجتماعيّة أو بناءً لمواقف سياسيّة، بل على ولاء عائلي يكاد يكون فريداً في كسروان، وهو أشبه بالولاء العشائري. ويقول بعض أهالي العائلة إن النائبة جيلبرت لا تتدخل في التفاصيل، وتتجنب الانحياز لوجهة نظر ضد أخرى داخل العائلة، فتتصرّف كشيخة صلح، مّا يعزز التفاف أبناء العائلة حولها، ويشجعهم على تأكيد مرجعيتها.
البون وافرام: نحن العاميّة
معظم من هم من آل زوين ينظرون بازدراء نسبي إلى دور آل البون السياسي، وكثيرون من المسنّين وسطهم يردّدون بأنّ النائب السابق فؤاد البون (والد منصور) كان يتبع لفؤاد زوين وخرج عن طاعة الأخير بناءً على توجيهات المكتب الثاني. والعلاقة بين بعض أبناء عائلتي البون وزوين متوتّرة منذ قرابة نصف قرن، على خلفيّة حلول البون الأب محل زوين الأب في المجلس النيابي. وقد نجح منصور البون بعد الطائف بتثبيت مقعده على أسس شعبيّة بناها على الخدمات وحضور المناسبات الاجتماعية. أمّا عنوان الزعامة العريض، فهو أن الكسروانيين هم ورثة طانيوس شاهين، ويكرهون تالياً كل أشكال الإقطاع العائلي (آل البون لم يكونوا يوماً إقطاعاً، وأصل اسم عائلتهم هو غانم). وبرأي أنصار البون، فإن أبناء العائلات التقليديّة يعيشون على الأمجاد، فيما تتطلّب الزعامة جهداً كبيراً يبدو البون منغمساً في بذله، سواء عبر مشاركته الكثيفة في كل أفراح الكسروانيين وأحزانهم، أو في تنقّله من مؤسسة إلى أخرى محاولاً توظيف أبناء منطقته، أو من خلال وضع نفسه بتصرف الناس ليلاً ونهاراً، حيث لا يقصده كسرواني إلا يجده متلهّفاً لسماعه ومحاولة مساعدته.
ومثل البون، هناك آل افرام الذين تكرّس دورهم عبر النائب والوزير السابق جورج افرام الذي استطاع أيضاً أن يخرق ثلاثيّة الخازن ـــــ بويز ـــــ زوين عبر حركة شعبيّة تعتمد على الخدمات والأعمال الخيرية، سرعان ما تحوّلت إلى شكل من أشكال الزعامة الاجتماعية التي تقوم على توظيف الكسروانيين في شركات العائلة (قرابة 35 شركة حول العالم)، وتأمين المنح الطالبية (يؤمّنون النقل للتلامذة والطلاب من المنازل إلى المدارس والجامعات، ولا تخلو مدرسة في كسروان من منح تعليمية من آل افرام تغطي أكثر من 80 تلميذاً)، إضافة إلى المساعدات الإنمائية الكثيرة.
هذه العائلات، صغيرة كانت أو كبيرة، يقول باحث كسرواني متابع بدقّة لأحوالها، هي اليوم، عشية اعتماد تقسيمات قانون الستّين الانتخابيّة أقوى من أي وقت مضى نتيجة صغر الدائرة، مرجّحاً ظهور عدد كبير من الرابطات العائليّة من الآن وحتى موعد الانتخابات، بهدف الضغط على السياسيين والترشّح على لوائحهم، وخصوصاً أنه بالنسبة لكثيرين يبدو جمع العائلة والوقوف على خاطرها لتبنّي ترشيحهم للانتخابات أسهل بكثير من بناء حزب أو إثبات أنفسهم في أحد الأحزاب، أو أقله تكوين حيثية مستقلة.
مقعد ثابت
تعدّ عائلة الخازن الأكثر حضوراً في المجلس النيابي. فقد عيّن الفرنسيون يوسف الخازن ممثلاً في اللجنة الإدارية عام 1920. ولم يغيبوا منذ ذلك التاريخ عن المجالس النيابية إلا عام 1960. ففي مجلسي 1927 و1929، فاز يوسف الخازن، وفي مجلسي 1934 و1937 فاز فريد الخازن وخسر كسروان الخازن الذي عاد وفاز في دورة 1943 على لائحة الكتلة الوطنية. وقد عاد فريد إلى المجلس عام 1947.
وفي دورة 1951، مثّل العائلة سليم وخسر مرة أخرى كلوفيس الذي عاد وفاز في دورتي 1953 و1957. وبعد غياب 4 سنوات، عادت العائلة إلى المجلس عام 1964 عبر إلياس الذي خسر في دورة 1968 لمصلحة فيليب، ثمّ عاد في 1972 وجدّد لنفسه في 1992.
وعام 1996، تمثّلت العائلة برشيد الخازن الذي خلفه عام 2000 فريد هيكل الخازن الذي خسر النيابة عام 2005 لمصلحة فريد إلياس الخازن.