في ذكرى الموت، نستذكر قول الامام علي عليه السلام: "إنما يُستدلّ على الصالحين بما يُجرى لهم الله على ألسن عباده"، فالعباد كلّهم بين راحلٍ، ومقيم بانتظار الرحيل، لأن الموت حتمي على العالمين، ولا مفرّ منه على الاطلاق، وكم تكون الذكرى عزيزة وكبيرة لمن له شهادةٌ وريادةٌ والتزام حقيقي بأوامر الله عزّ وجلّ، ونبيّه وكتابه، وأئمة الهدى الأطهار.
وكم تكون الذكرى متميزة ايضاً، لمن يتحلى بالأخلاق الرفيعة والاستقامة، وتملّك شخصه الايمان والطهر والصبر، وكان مضحياً في سبيل عائلته ومجتمعه، وكان سلوكه واضحاً بسلامته في عمله.
وأنا أتحدث اليوم عن المرحوم الحاج حسن ذيب مصطفى، أعود بوجداني وذاكرتي عشرات السنين الى الوراء، وتحديداً الى الستينات والسبعينات من القرن الماضي، حيث كانت القضية القومية، وخاصة الفلسطينية، الشغل الشاغل لأبناء مجتمعنا، في تلك الفترة كان المرحوم أبو يوسف يلعب دوراً أساسياً في إحتضان وحماية ورعاية المناضلين، الذين كانوا يملأون ساحة النضال والجهاد بالمظاهرات والاضرابات، من أجل القضايا القومية والوطنية والمطلبية، وعلى رأس هؤلاء المناضلين كان المرحوم الشهيد واصف شرارة، وكان هؤلاء يلاحقون ويسجنون من قبل أجهزة السلطة الحاكمة آنذاك، التي كانت تحاسب الناس سلبياً على أفكارهم وآرائهم ومعتقداتهم ومطالبهم المشروعة ومواقفهم.
أيها الاخوة:
لقد عرفت المرحوم الحاج حسن عن قرب، وكنت أحد أبنائه، كان من أقوى الأشخاص عقداً، ومن أوفاهم عهداً، وآمنهم غيبا، وأسلمهم صدراً، وأكثرهم حفظاً للمودة كما يشهد كل عارفيه وأصدقائه، وأصرخهم عند الاستصراخ، وأكرمهم عند البذل والعطاء، وأنصحهم عند الاستنصاح، وأنصرهم عند الاستنصار.
الحاج حسن ذيب مصطفى سنديانة مثمرة عتيقة متجذرة في الأرض، وارفة الظلال، ضاربة في الأعماق، أحبّ بلدته أرضاً وتراباً وصخراً وشجراً وهواء، أحبّها أهلاً وأحبة وأصدقاء، عاش فيها ولم يغادرها،
إلى أن خلدت روحه الى الراحة، وفي جعبتها حِملٌ كبير من التاريخ.
كان الحاج حسن طوال حياته حَسَن السيرة، صافي السريرة، يعمل من أجل الفضيلة، هو حقاً من أولئك الأشخاص الذين يطلّون من ظلمة القبور ليحصدوا ما زرعوا.
من ناحية أخرى، لقد قدّم أبو يوسف من حقل تربيته البيتية والعائلية ثمار المحبة والرّفق، أدّى رسالة الأب، رسالة العطاء والمحبة والتربية الصالحة على أكمل وجه، معتمداً على الله وعلى زوجة صالحة مؤمنة صادقة، وفيّة، مضحيّة.
خلال فترة مرضه كان صابراً محتسباً، راضياً بأمر الله، وانّ ما كان يخفف من آلامه رؤيته لأبنائه وأحفاده الأحباء، الذين غمروه بوفائهم وإخلاصهم وتضحيتهم واهتمامهم، خدموه برموش العيون، وكانوا مستعدين لتقديم دماء العروق والشرايين إذا دعت الحاجة.
ونحن نتحدث عن المرحوم الحاج حسن، لا يمكن أن ننسى مساهمته في العمل والنشاط الخيري، الاجتماعي في بنت جبيل، حيث كان خادماً أميناً، مع آخرين، عاملاً في الجمعية الخيرية التي أنشأها ورعاها، حتى اليوم، سماحة السيد علي الحكيم، دام ظله، وبقي الحاج حسن يعمل في هذا المجال حتى سلّم الأمانة لغيره من الخيّرين الآخرين.
ان الدموع التي جرت في مآقي الأهل والأصدقاء على فراق الحاج حسن، هي ذوب قلوب جريحة ونفوس تألمت لفراق شخص سوف يبقى حاضراً في وجداننا جميعاً.
صورته حتماً لن تغيب عن عيوننا، واسمه سوف يتردد باستمرار على شفاهنا، بهدوء وصمت كان أبو يوسف معنا وبيننا، وبصمت وهدوء غادرنا إلى دار الآخرة. في ذمة الله روحه، وفي قلوب الجميع ذكراه ستبقى موجودة.
والسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته / الفاتحة .
د. مصطفى بزي
الأحد 3 / 8 / 2014