أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

كلمة الدكتور مصطفى بزي خلال أسبوع المرحوم السيد خليل هادي (أبوعلي) في شقراء

الخميس 28 آب , 2014 11:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,127 زائر

كلمة الدكتور مصطفى بزي خلال أسبوع المرحوم  السيد خليل هادي (أبوعلي) في شقراء

بسم الله الرحمن الرحيم ...

 

والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا محمد ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ...

 

أصحاب السماحة والفضيلة ، أيها الحضور الكريم ، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته .

 

الناس نيام ، فإذا ما ماتوا انتبهوا ، أو استيقظوا ، وعضة الموت هي من أبلغ العضات ، وعبرَته من أهم العِبَر ، وهنيئاً لمن أخذ معه زاداً وافراً الى دار الآخرة ، ولا يأخذ الانسان معه إلا عمله ، وما يقوم به من خير .

 

من البلدة التي يحفظ التاريخ لها مكاناً رحباً على صفحاته النيّرة والمضيئة والمشرقة ، من شقراء التاريخ والدين والتراث والأدب والشعر ، نطلّ على فقيدنا العزيز المرحوم السيد خليل هادي (أبو علي) .

 

وفي شقراء بالذات ، من أين لنا بالكلام المعبّر ، والبيان الهادف ، والمعاني الرقيقة ، والعبارات المنمّقة ، ونحن في حضرة رجال دين فضلاء أجلاء ، ولكن في ظل الحزن والأسى والأـسف ، ومع الرضى التام والقبول المطلق بقضاء الله وحكمه المبرم ، لا بد للمشاعر والعواطف والذكريات أن تتحرك ، ويتحرك معها اليراع ، ليكتب كلاماً صادقاً نابعاً من صميم القلب ، يعبّر عما يختلج في الصدر من الحب والحنان .

 

ونحن في رحاب المرحوم أبي علي ، نقول أن الكلمة هي التي بقيت لدينا ، نأمل أن يأخذها الراحل برفق منا ، هي حقّاً تأنس إليه ، ففيه منها رسم وأثر ، وفيها منه آي وحبٌّ وذكريات ، خاصة وأن الفقيد المتميز كان صاحب كلمة ، صاحب موقف ، وله باع في ميادين الشعر (على السليقة) ، الذي يصدره دون أي تكلف أو تصنّع ، ودون قيود أوزان ، مع مراعاة للقوافي .

 

لا نجافي الحقيقة إذا قلنا ، ونحن نتحدث عن السيد خليل هادي ، أننا لا نستطيع أن نختصر البحر في كأس ماء ، ولا الربيع في وردة أو زهرة وعطر ، ولا الشتاء في قطرات ماء ، أو بعض رذاذ ، ولا الرياح العاتية بنسائم خفيفة تهبّ ، ومن هذا المنطلق ، فإننا ومهما قلنا بالفقيد، فسوف نجد أنفسنا مقصرين في إيفائه حقه علينا ، وفي الاحاطة بسيرته الطويلة ، المليئة والزاخرة بالمحطات المتنوعة والمختلفة ، والمعبّرة عن الحضور الدائم ، فالسيد أبو علي هادي كانت حياته تضجّ دوماً بالحركة التي لا تهدأ ، وبالعمل الذي لا يتوقف ، وبالخير النابع من صميم القلب ، ومن دون تكلّف أو تصنّع ، فأبو علي لم يكن يسعى من خلال كل ما قام به في حياته ، إلا الحصول على الأجر والثواب من الله عز وجل ، ولم يكن يطلب جزاء ولا شكورا من أحد .

 

تجربتي طويلة مع أبي علي ، علاقتي معه تعود الى حوالي خمسة وأربعين عاماً ، أي قبل أن أرتبط به برابطة المصاهرة بعشرة أعوام تقريباً ، كنت خلالها أسرّ بجلساته ، كلماته ، تعابيره، أخباره الماضية ، شعره الطبيعي ، تعليقاته وملاحظاته ، عتبة اللّبق المحبّب ، كان صاحب بيت مفتوح ، وكرم غير مصطنع ، وكان فضلاً عن ذلك عزيز النفس ، حيوياً باستمرار ، يعمل على إصلاح ذات البين ، لم يُدع الى واجب إلا ولبّى ، ولا الى طلب خدمة إلا حاول جاهداً القيام بها ، ولا لخير مطلوب إلا وقام به ، دون أي منّة .

 

أقول حقاً ، أن بين جنبي أبي علي ، كان يعرّش الحضور الذي لا حدود له ، وفي معظم الأماكن التي نجده فيها ، وفي كل المناسبات ، وأين وأنّى يدعوه الواجب .

 

إن معظم الناس تستهويهم الحياة ، يكافحون ويجهدون ويعملون من أجل الإبقاء على جذوتها حتى الرمق الأخير ، أكانت تعني لهم تلك الحياة تحقيق أهداف سامية ونبيلة ، أو أنها بالنسبة اليهم مجرد عيش رتيب ، السيد أبو علي هادي كان من أولئك الذين لم تكن تعني لهم الحياة شيئاً ، إذا لم تكن تطبيقاً عملياً لإيمانه الديني ، وعملاً مستمراً أمام العيال ، وحضوراً دائماً في المجتمع ، وحركة مستمرة لا تعرف السكينة والهدوء ، يضاف إلى ذلك أن المرحوم كان من أولئك الذين يُطلب تحديد رأيهم ، مع احترام لهذا الرأي ، لأنه في معظم الأحيان سديد ، وحتى في الأمور السياسية ، فإنه من أولئك الذين تحترم مواقفهم ، ويحترمون موقفك ، حتى ولو كان هناك اختلاف في وجهات النظر ، فالاختلاف لا يفسد في الودّ قضية .

 

السيد أبو علي هادي أحبّ بلدته شقراء ، أرضاً وشجراً وحجراً وبشراً ، أهلاً وأحبة وأصدقاء، وهم كثر في المنطقة كلها والجوار ، وكان وفياً للعهد ، يحفظ المودة والصداقة ، ويتفانى في سبيل المبدأ .

 

أبو علي بنى عائلة محترمة ، يُعتزّ بها ويفتخر ، الأبناء والأحفاد ، كلّهم يسيرون على خطاه ، يمشون على منواله وطريقه ، خاصة في موضوع العلاقات الاجتماعية ، والاستقامة ، والاخلاق ، وحسن السيرة ، والارتباط الديني الصحيح والسليم ، وهنا لا بدّ لنا من القول : أن الشهادة الحقة واجب ، كما الموت حقّ .

 

بقي أبو علي هكذا حتى توقف قلبه الذي كان ينبض بحيوية حتى آخر لحظة . كلّ كلماتي لا يمكن أن تعبّر عن مكنونات صدري ، وأنا الذي كنت أتبوأ مكاناً خاصاً ومميزاً في قلبه وعقله وصدره .

 

ستبقى صورته تتلألأ بين أفراد العائلة ، ومحبيه ومعارفه وأصدقائه ، وأهل بلدته والجوار .

 

لن نفقد لأبي علي الأثر ، ما دام أبناؤه وأحفاده يكمّلون مشواره .

 

طوبى لأبي علي ، قضى إلى جوار ربه سعيداً مؤمناً طاهراً ، قرير العين ، وتلك عقبى الأبرار وأخرى الأخيار .

 

باسمي ، وباسم كل أفراد العائلة ، لا يسعنا إلا شكر كل من واسانا في مصابنا الأليم ، نشكر كل من ذرف دمعة حزن وأسى وأسف على أبي علي ، الشكر موصول لكل من قام بواجب المشاركة بالتشييع ، والتعزية ، وذكرى الثالث ، والاتصال الهاتفي . سائلين المولى عزّ وجلّ أن يرحم موتاكم ، ويعظم أجوركم ، ويحفظكم جميعاً .

 

وإنّا لله وإنّا إليه راجعون .

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

Script executed in 0.19782495498657