في المنطق اللبناني تأتي الصناعات في اسفل اولويات الدولة، وفي حسابات الحكومات المتعاقبة لم ترصد اية وزارة اي مخطط للنهوض بهذا الواقع.
في بنت جبيل وتحديدا في سوقها العتيق ما زالت "طرطقات" المعلمين تسمع الى الخارج، ورغم بدائية الماكينات إلا أن أصحاب المصانع يواكبون التطور ويصنّعون الأحذية بدقة لامتناهية، بيد أن عتبهم واحد "منافسة البضائع المستوردة على عين حكومة لا تعيرهم اهتماما".
وبنت جبيل هي البلدة الجنوبية الوحيدة التي ما زالت تصنع الاحذية الوطنية، وكانت سيدة الحرفة قبل مئات السنوات اذ كان يوجد فيها ما يقارب الـ 300 مصنع احذية يديرها الرجال والنساء وبعد العام 2000 ومع اجتياح البضائع الصينية السوق المحلي خفت نجم تلك الحرفة وبقيت منها 3 معامل تقاوم لتحمي صناعة الاحذية التي يفوق عمرها آلاف السنين، على امل ان تضع وزارة الصناعة قانونا يحميها ويدعمها لتنافس البضائع المستوردة.
وحسب صاحب احد المعامل وسام حوراني "فإن الدولة لو ارادت ان تدعمنا اقله تشغل الدباغات الـ60 على نهر مشغرة لتصنيع الجلود بدلا من تصديرها للخارج واعادة استيرادها مصنعة ما يرفع اسعار الجلود التي تخضع لتعرفة جمركية عالية فيما البضائع الاخرى تحظى بتسهيلات" .
ويعتبر مصنع الحوراني للاحذية من اقدم المعامل في بنت جبيل، في داخله يعمل اربعة حرفيين لكل منهم مهمة مناطة اليه حسب مراحل تصنيع الحذاء الذي يعبر في اربع مراحل : من التفصيل الى الكندرجية فالتدريز والتشطيب مراحل تحتاج الى عمل اسبوع كامل لانجاز مئة زوج احذية خاصة ، وعلى رغم سهولة العمل حسب الحرفيين الا "ان صعوبته تتجلى بأنه لا يؤمن مستقبلا، تعيش ليومك والبحث عن البديل حديثهم ولكن لا بديل"، فاقتصاد بنت جبيل يرتكز على البناء وصناعة الاحذية مع بعض المحال التجارية البسيطة وبالتالي ان "رخاوة" التعاطي الحكومي معها قد يدفع اصحابها الى الاقفال بالنظر الى ارتفاع التكلفة من جهة ومنافستها بالبضائع الصينية من جهة ثانية والاهم غياب السياسة العامة الصناعية التي ترسم خريطة لبنان الاقتصادي المتين.
يسجل أحمد بزي عتبا كبيرا على الدولة "بوجع قلبو عالفاضي فيما الدولة آخر همها الصناعي ، أنا أحميها باستمراريتي في العمل ولكن من يحميني كي استمر بالعمل فيها. ايعقل ان قطاعا هاما لا تلتفت اليه الدولة امارس عملي الصناعي منذ 25 سنة وما زلت على حالي لم اتقدم خطوة والسبب الدولة".
يعمل أغلب العمال على القطعة، كل حذاء يحتاج الى أربع ساعات لينجز لا تتعدى يومية العامل الـ30دولارا ، وهو يعمل أكثر من 12 ساعة يوميا لإنتاج أحذية في السوق المحلي ويتجاوز سعر الزوج الـ60 الفا وحسب علي والذي يعمل في المصانع "كل شيء ارتفع سعره إلا أجرة العامل لم تتبدل. نعمل على الكتالوغ لمواكبة تطور المهنة وننتج أجود الاحذية بأشكالها وألوانها المتعددة ولكن من يقدر عملنا؟
امضى العم أحمد بزي الستيني ثلاثين عاما في المهنة التي "علمته اليأس والتي لا تؤمن مستقبلا، فقط لصاحب المعمل مهمة. أما للعامل فهي قوت يومه"، ورغم ذلك امارس عملي لانه بات جزءا من حياتي".
ويتحدث نادر بزي عن "غلاء الجلود والصموغ ومنافستها بالجاهز الصيني. نحن نصدر الجلود للخارج لتصنيعها ثم نعود ونستوردها لنستعملها في صناعتنا وهو امر مثير للسخرية ولو كانت دولتنا حقا تريد دعم الصناعة لكانت شجعت وحفّزت العاملين فيها، ولكن ما تعمله يدفعنا للرحيل، أهكذا يدعمون صناعة لبنان؟ ويتحفوننا بالشعار الكبير ... بتحب لبنان حب صناعتو".
ويقول الكندرجي محمد الذي يعمل منذ 20 عاما داخلها "إن صناعتنا ذات جودة عالية ولكن الصيني قضى عليها رغم أنه بلاستيك بينما صناعتنا جلد طبيعي" مردفا "المشكلة أن الصيني رونقه أفضل من الوطني بسبب المعامل ليس أكثر" .
تشكل صناعة الاحذية في بنت جبيل واحدة من أهم ركائز الاقتصاد في المدينة، وتصرّف في السوق الداخلي اللبناني، وتقوم على معايير صلبة، تتخذ من الجلد الأصلي مصدرا أساسيا لها وهذا يرفع من أسعارها في ظل استيراد الجلود من الخارج وهنا يقول صاحب معمل الحوراني وسام الحورني "ان الدولة لو صنّعت الجلود محليا لكانت خففت عنا أعباء".
ويرى الحوراني أن "صناعة الأحذية تواجه معوقات عديدة لعل أبرزها ، الجمارك بدل ما تساعدنا تلاحق البضائع المستوردة للصناعة الوطنية التي يجب أن تعفى من الضرائب لتحمي الوطني. نحاول أن نسير مع السوق، نكتفي بالأرباح الضئيلة جدا التي تحول دون تطوير المعامل إذ فاقت التكلفة الأرباح وهذا يضعنا امام عجز وتحدٍ في آن وربما ينتظرنا الإقفال قريبا" معيدا السبب الى أن "لبنان لا يريد صناعة لأن الدولة تعتبر أن لبنان سياحي ولو كانت تهتم لها لكانت أقله دعمت الصناعات اللبنانية، للأسف مئات المعامل تحولت الى خراب". باختصار "نواجه حربا شرسة".