أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

في بنت جبيل .. العيد كان هناك بين جنبات الأحبة

السبت 04 تشرين الأول , 2014 07:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 10,554 زائر

في بنت جبيل .. العيد كان هناك بين جنبات الأحبة

تَنَفَّس صُبح بنت جبيل مُعلناً انقضاء الليل. فصعد أهالي البلدة قاصدين التَّل الذي يعلو السوق. كأن نسمات الصباح تحملهم مع رائحة البخور، و تعلو بهم ليساعدوا شمس العيد على نهوضها. إنه صباح العيد الذي لا يخلو من طقوس و عادات قديمة راسخة. و عيدُ "بيت شمس" بنت جبيل لا يبدأ إلا بزيارة الأهالي لجَبَّانات البلدة.

و كما وَقَفَ الحُجَّاج أمس مرتَدينَ أبيضَهم في عَرفه، اليوم يتشَبَّهُ بهم زوَّار المقابر، إلا أنهم بمعظمهم اتَّشحوا بالسواد الذي يَليقُ بدموعهم. و مِنهم من فضَّلَ ارتداء حلَّة العيد الجديدة، ظنًّا منه أنَّ المُتوفَّى سيَراها و يفرح كما اعتاد في حياته.

لا صوتَ يعلو فوق تمتَماتهم، تمتمات شفاههم التي تردد التراتيل القرآنية. و لا صوت يجرؤ على كسرِ الرتابة إلا زقزقة العصافير الصباحية. لا خِلافات و لا اختلافات، إنما فقط روحانية الأحياء في حضرة الأموات.

تتزاحم المشاهد، و من بين الجموع تصل حاجَّةٌ كبيرةٌ في السِّن، تُجَرجرُ سنين عمرها، تتعكّز على صِبا أولادَها، تقصد إحدى شجرات "الكينا" المعمِّرة، "الله يرحمك" تُسلِّمُ على قبر زوجها، و تمُرُّ على قبور من فارقها. "ميلي صوبنا يم علي" تُنهي سلاماتها و مُعايداتها لبعض المتواجدين و ترحل.

و في جبّانة أخرى، تحت السقفِ القرميديّ يجلس صبيٌّ بطراز العيد و بين يديه "بارودة العيد البلاستيكية". هذه المرّة هو من أحضرَ لأبيه عيديّة، قُبلةٌ للقبرِ و سورة الفاتحة لروح والده الشهيد.

و يتجه البصر إلى ظلِّ الصنوبرات، حيث تجلس شابة و عائلتها، عند قبر جدِّها. تمسح دمعاتها و تنهض لتعايد قريبتها. و لا ضَيرَ من أخذ الصور التذكارية التي بلا شك ستُمسي في الساحة "الفيسبوكية".

كما أن روعة المشهد تكتمل من الأعلى، حيث تبدو حلقات بشرية حول معظم القبور. كأنهم يهمسون للأموات عاطفات اشتياقهم و يسقونهم نديّ دمعاتهم. ويكاد لا يتخلف عن الحضور إلا أهل الإغتراب إذ دفعوا صباح العيد ثمناً لغربتهم.

و الطقوس هذه ليست وليدة الصباح، فقد غصّت الجبّانات أمس بالأهالي الذين غَسلوا قبور ذويهم و عطّروها و كأنهم ألبسوها حلَّة العيد. رغم أن الشتاء سبقهم لذلك.

إذاً روح العيد وِصال الأحياء للأموات. هكذا يقاوم "البنت جبيليون" من حيث لا يدرون ظاهرات التفكُّك الأُسري، متمسِّكين بعادة زيارة القبور صباح كلِّ عيد.

و لو أن الوضع السياسي رهن "البنت جبيليون" لربما (على سبيل التفاؤل) اكتملت طاولة الحوار، و اكتمل معها النِّصاب، و نال اللبنانيون عيديةً رئاسية في صباح من صباحات العيد.

كل عام و أنتم و أمواتنا و أمواتكم بألف خير.

تقرير/  داليا بوصي 

تصوير / احسان احمد بزي 


Script executed in 0.19814515113831