بين مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد بين ٢ آذار و٢٩ حزيران ،٢٠٠٦ ومؤتمر الحوار الذي يفتتحه رئيس الجمهورية ميشال سليمان غدا الثلاثاء، اكثر من سنتين من التوترات والمشاورات والحوارات والاتفاقات، وبينها التدخلات والوساطات العربية، التي كان آخرها اتفاق الدوحة (ايار ٢٠٠٨)، الا ان اياً منها لم يصل بعد الى ما ينهي ازمة لبنان السياسية بما هي ازمة كيان، وازمة ثقة بين الاطراف السياسية، واختلاف جوهري حول اي لبنان نريد وما هو دور لبنان في صراع المنطقة القائم منذ اكثر من ستين سنة.
ولذلك يقع موضوع الاستراتيجية الدفاعية عن لبنان بوجه الاعتداءات الاسرائيلية ومن ضمنه موضوع سلاح المقاومة، في صلب الازمة القائمة، ليس بسبب خلاف على سلاح »حزب الله« بما هو قائم وموجود منذ اكثر من عشرين سنة على الاقل، بل بما هو مرتبط بالخلاف على النظرة الى حق المقاومة ودورها، وهل ما زالت محور إجماع وطني؟ما يعني خلافا على دور لبنان في الصراع مع العدو، وهو ما سبق واطلق عليه النائب وليد جنبلاط: هل نريد لبنان هانوي أم هونغ كونغ؟ لكن الخلاف المستجد ظهر تحت عنوان»حق المقاومة ودور الدولة ومرجعيتها«.
والخلاف المطروح امام مؤتمر الحوار الجديد غدا، كان هو ذاته محور مؤتمر العام ،٢٠٠٦ الذي خرج بتفاهمات على عدد من البنود، الا انه ارجأ البحث بموضوع الاستراتيجية الدفاعية الى موعد لاحق، نسفه عدوان تموز الاسرائيلي عام ،٢٠٠٦ وبقي البند معلقا الى الآن، مع ان البيان الوزاري للحكومة الحالية (حكومة الوحدة الوطنية) اقر بحق لبنان المشروع بتحرير ارضه بكل الوسائل المشروعة، بما فيها المقاومة.
وهذا الخلاف حول »حق المقاومة ودور الدولة« كان وراء استمرار اجواء التشنج في البلاد نظرا لوجود نظرتين وربما مشروعين، لما يفترض ان يكون عليه لبنان. نظرة لبنان المقاوم ونظرة لبنان المهادن. وما بين هذين المشروعين تقع مشاريع خارجية كبيرة ما زالت تتحكم بالوضع اللبناني وتمنع الحلول فيه.
مؤتمر ٢٠٠٦
شارك في مؤتمر الحوار ٢٠٠٦ كل من: رئيس المجلس النيابي نبيه بري، رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد ميشال عون، الامين العام لـ»حزب الله« السيد حسن نصر الله، الرئيس امين الجميل، النائب ميشال المر، النائب غسان تويني، النائب بطرس حرب (ممثلا قوى قرنة شهوان)، الوزير محمد الصفدي (ممثلا التكتل الطرابلسي)، رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري، رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، رئيس الكتلة الشعبية النائب ايلي سكاف، ممثلون عن الاحزاب الارمنية الثلاثة الطاشناق والهانشاك والرمغفار، مداورة، رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع. وروعي في التمثيل التوزيع السياسي للطوائف والمذاهب الاساسية وتم تغييب قوى سياسية اساسية بحجة انها غير ممثلة في المجلس النيابي، في حين ان الحزب السوري القومي الاجتماعي ممثل في البرلمان بنائبين ولم يتم إشراكه، كما ان القوى الناصرية ممثلة بالنائب اسامة سعد وتم تغييبها. عدا عن تغييب احد اكبر الزعماء الموارنة الوزير السابق سليمان فرنجية، واحد اكبر زعماء السنة الرئيس عمر كرامي.
اقر مؤتمر الحوار اللبناني قبيل اختتامه بأيام (في٢١ حزيران ٢٠٠٦) »ميثاق شرف« لاحتواء »الاحتقان الذي ينذر بمخاطر كبيرة«، وأرجأ جلساته الى ٢٩ حزيران ٢٠٠٦ لمواصلة البحث في مصير سلاح »حزب الله« المدرج في بند الاستراتيجية الدفاعية عن لبنان في مواجهة اسرائيل.
وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري في مؤتمر صحافي »نظرا لاجواء الاحتقان السياسي اجمع المتحاورون على وجوب السعي لازالة اسباب التشنج من خلال اقرار ميثاف شرف يرعى الحياة الديموقراطية وعلاقات القوى والاحزاب والشخصيات السياسية«.
ونص الميثاق على »الزام الجميع قواعد الاحترام المتبادل في التخاطب السياسي والاعلامي بطريقة تحفظ حق الاختلاف في الرأي والمواقف وتحفظ حرية الانتقاد بعيدا عن التجريح والمس بالكرامات الشخصية والحرية الفكرية«.
كما تضمن النص حث اطراف الحوار »على سعي جدي لدى مؤيديهم ووسائل الاعلام التابعة لهم من اجل احترام مضمون الميثاق والحد من الاحتقان الطائفي والسياسي الذي ينذر بمخاطر كبيرة لا يجوز السماح بحصولها«.
وبشأن البحث في الاستراتيجية الدفاعية، البند الاخير على جدول اعمال المؤتمر، قال بري: لم يستكمل البحث نهائيا وقد ارجئت الجلسة الى ٢٩ حزيران.
وفي هذه الجلسة، توافقت الشخصيات السياسية اللبنانية الأربع عشرة على ثلاثة بنود خلافية كانت مطروحة على طاولة الحوار، وبقي بندان آخران للبحث.
بنود التوافق الثلاثة هي بند العلاقة مع سوريا وبند السلاح الفلسطيني وبند هوية مزارع شبعا. أما البندان اللذان لم يجر الاتفاق بشأنهما فهما بند سلاح »حزب الله« والبند المتصل بمصير رئيس الجمهورية (وقتها)، واللذان ينص عليهما قرار مجلس الأمن الدولي الرقم ١٥٥٩ الذي يقول بوجوب نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية في إشارة الى سلاح »حزب الله« والفصائل الفلسطينية. كما ينص القرار المذكور على ان التمديد لرئيس الجمورية امر غير دستوري. وكان قد جرى ادراج مصير رئيس الجمهورية الحالي على بساط البحث كغيره من بنود القرار .١٥٥٩ لكن رئيس الجمهورية آنذاك اميل لحود بقي في منصبه حتى الحظة الاخيرة (٢٤ تشرين الثاني٢٠٠٧)، وبقي موقع الرئاسة الاولى بعد خروجه من قصر بعبدا شاغرا حتى يوم ٢٥ ايارالماضي، الى حين التوافق على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية بموجب اتفاق الدوحة.
وفي بند العلاقة مع سوريا اتفق المجتمعون على إقامة »علاقة ندية« بين الدولتين، وعلى اقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين في اقرب وقت. أما بخصوص بند السلاح الفلسطيني فقد جرى التوافق على معالجة قضية هذا السلاح خارج المخيمات في مهلة زمنية تمتد ستة اشهر، ومعالجة السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، مع تأكيد مسؤولية الدولة اللبنانية عن حماية الفلسطينيين. لكن لم تتم معالجة هذا البند بعد ربطا بالصراعات العنيفة التي اعقبت عدوان تموز، وعقّدت الامور السياسية اكثر، حتى وقعت معارك السابع من ايار، وتدخل العرب لوقف المعارك والتوصل الى اتفاق الدوحة، وانتخاب الرئيس سليمان، الذي عمل في اول مهمة رئيسية له على تطبيع العلاقات مع سوريا بزيارته دمشق، واتفاقه مع الرئيس السوري بشار الاسد على إقامة العلاقات الدبلوماسية. فانتهى بذلك بند معلق من بنود الحوار، وبقي بند ترسيم او تحديد الحدود في مزارع شبعا، كمطلب لبعض قوى الحكومة بحجة السعي الى تثبيت لبنانيتها والعمل على تحريرها دبلوماسيا ووضعها تحت وصاية الامم المتحدة.
لم يأت التوافق على هذين البندين بجديد مفاجئ، فالحكومة اللبنانية في بيانها الوزاري نصت على مضمون البندين وأخذت ثقة مجلس النواب اللبناني على اساس بيانها. كما انه تم الاتفاق على هذين البندين في المرحلة الاولى من المؤتمر قبل تعليقه لعدة ايام.
لكن الجديد الملتبس جاء في البند المتصل بهوية مزارع شبعا وهو ما كان محور خلاف بين المتحاورين على طاولة البحث وخارجها، وكاد الخلاف بشأنه يطيح بالحوار لأن تثبيت ملكية مزارع شبعا يعني الولوج الفعلي في مصير سلاح »حزب الله«.
وجاء نص الصيغة المتوافق عليها كالتالي: »دعم الحكومة اللبنانية في جميع اتصالاتها لتثبيت لبنانية مزارع شبعا وتحديدها وفق الاجراءات والاصول المقبولة لدى الامم المتحدة«.
وجاءت هذه الصيغة وسطية بين مطلب وجوب ترسيم الحدود مع سوريا (الاكثرية النيابية وقتها) وبين تأكيد عدم لزوم ذلك لأن المزارع لبنانية (قوى المعارضة).
حوار بعبدا
والآن يدخل القادة الاربعة عشر ميدان الحوار مجددا على بند وحيد متبقٍ هو الاستراتيجية الدفاعية، واستعدت القوى السياسية المدعوة بما لديها من سلاح سياسي وعتاد مستندي، وسيبدأ المتحاورون الاربعة عشر انفسهم المؤتمر بعد كلمة افتتاح الرئيس سليمان، التي ستنقل مباشرة على الهواء، بتحديد عناوين البحث، واولها بند الاستراتيجية الدفاعية، وسط اصرار من بعض الاطراف على ان تبحث متفرعات الدفاع: العسكرية والامنية، وايضا الاقتصادية والمالية والاجتماعية، بما هي من اهم مقومات الدفاع والصمود. وهذه العناوين الاضافية قد تخلق اشكالات في بداية المؤتمر، اذا قد يرفض التطرق اليها فريق رئيس الحكومة وحلفاؤه، وقد يحصل توافق على بحثها لاحقا.
ولاحظت اوساط متابعة للمؤتمر ان الرئيس وجه دعواته للاطراف التي وقعت على اتفاق الدوحة، وليس للذين حضروا مؤتمر العام ،٢٠٠٦ وقد وجهت الدعوة خطيا الى النائب آغوب بقرادونيان مساء الجمعة الماضي لتمثيل الارمن كونه هو من وقع اتفاق الدوحة، ولم توجه الى النائبين آغوب قصارجيان ويغيا جيرجيان اللذين حضرا مفاوضات الدوحة لكن لم يوقعا على الاتفاق، بينما في الحوار السابق كان يرأس الوفد الارمني احد الثلاثة ويجلس الاثنان الآخران كمراقبين في الحوار.
وقال النائب سيرج طور سركيسيان لـ»السفير«: ان النائب السابق ناظم الخوري اتصل بالنواب الارمن الثلاثة وتمنى عليهم انتداب واحد يمثل الارمن، وان الاتصالات جارية لتحديد الشخص الذي سيتم انتدابه، بإعتبار ان الاحزاب الارمنية الثلاثة كانت ممثلة في الدوحة.
وقالت مصادر مقربة من الرئيس سليمان لـ»السفير« انه لا يعارض حضور أي طرف ارمني يتفق عليه الاطراف الثلاثة.
وسيحضر الافتتاح وجلسات الحوار الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى، وربما رئيس وزراء قطر وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، اللذان سيلقيان كلمتين للمناسبة، كما يحضر مستشار الرئيس سليمان النائب السابق ناظم الخوري. وذكرت المعلومات ان الحوار في مرحلته الاولى قد يقتصر على الافتتاح وكلمة الرئيس سليمان، وتحديد عناوين الحوار وبحث امكانية توسيع عدد المشاركين، وتحديد موعد الجلسات المقبلة بعد عودة الرئيس سليمان من الولايات المتحدة، حيث يسافر يوم الاحد المقبل (٢١ ايلول) الى نيويورك للمشاركة في دورة الجمعية العامة للامم الملتحدة، وينتقل في ٢٥ ايلول الى واشنطن للقاء الرئيس الاميركي جورج بوش.
ورجحت دوائر قصر بعبدا ان تعقد جلسة واحدة الثلاثاء وترفع الجلسات الى ما بعد عودة الرئيس سليمان، لانه سينهمك خلال الايام الخمسة المقبلة بتحضير خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة وملفات لقائه بالرئيس بوش والمسؤولين الاميركيين الآخرين. وستشكل لجان متابعة بعد انفضاض الجولة الاولى.
وذكرت مصادر قصر بعبدا ان نص الدعوة لم يتضمن طلبا ان يقتصر الحضور على »الصف الاول«، »لأن رئيس الجمهورية لا يُصنّف الناس«، لكن الرئيس سليمان تمنى في اتصالات هاتفية ببعض القوى المشاركة، الحضور بشخص الصف الاول.
ويبدو ان السيد حسن نصر الله لن يحضر شخصيا للاسباب الامنية المعروفة وسينتدب في حال تغيب، رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد.
الامور اللوجستية في القصر الجمهوري انتهت بشكل نهائي، لجهة مكان الاجتماع، (قاعة ٢٢ تشرين الثاني الكبرى)، وشكل الطاولة بيضاوية لجهة جلوس رئيس الجمهورية، ومستطيلة من الطرف الآخر، وليست مستديرة كطاولة الحوار السابق، ليرأسها الرئيس سليمان كونه ليس طرفا. وهو سيلقي كلمة يركز فيها على الحوار والمصارحة للتوصل الى تفاهم حول كل الامور المطروحة المختلف عليها بما يمهد للمصالحة الوطنية. وسيترك للمتحاورين تقرير الخطوة التالية.
تحضيرات الآطراف
وبالنسبة للاطراف المشاركة، قالت اوساط الرئيس نبيه بري انه سيقدم وجهة نظر حول الاستراتيجية الدفاعية لم يسبق ان طرحها مع انها جاهزة منذ طاولة الحوار الاولى.
في حين سبق وقدم النائب وليد جنبلاط مقترحات تتمحور حول تعويم اتفاق الهدنة ودمج مقاتلي المقاومة تدريجيا بالجيش اللبناني.
وقال النائب جنبلاط لـ»السفير«: انه قدم افكارا معينة عام ،٢٠٠٦ وسيعود اليها في الحوار الجديد، وهناك تفاصيل عسكرية لا افهم بها، وهي بحاجة للجان اختصاص، لذلك اتمنى على الرئيس سليمان تشكيل لجنة عسكرية خاصة للبحث في الامور العسكرية الدفاعية.
وعما اذا كان سيطرح مواضيع اخرى للبحث وهل يوافق على ربط القضايا الاقتصادية الاجتماعية والمالية بالاستراتيجية الدفاعية، قال جنبلاط: هذه المواضيع تبحثها الحكومة وقد باشرت بها عبر زيادة الاجور واجراءات اخرى. وقد يبحثها مجلس النواب بحضور جميع الاطراف.
أما »حزب الله« فهو سيعتمد على المقاربة التي قدمها السيد حسن نصر الله في الحوار السابق، وقد يضيف اليها تفصيلات.
وقال نائب رئيس الحكومة عصام ابو جمرا لـ»السفير«: ان تكتل التغيير والاصلاح لديه تصور للاستراتيجية الدفاعية سيطرحها العماد ميشال عون في وقتها، وسيُعقد (اليوم) اجتماع للتكتل للبحث في المواضيع المهمة الاخرى التي يمكن ان تطرح ونعتبرها من الاولويات الوطنية، كالتفاهم على تثبيت العيش المشترك، ووضع نظام داخلي للمؤسسات الرسمية التي لا نظام داخليا لها، لمنع حصول خلافات ومشكلات داخل هذه المؤسسات. وهذا الموضوع سأطرحه انا على اجتماع التكتل.
وقطع النائب ميشال المر اجازته في فرنسا وهو سيعود اليوم الاثنين، وقد جهز ملفاته، لا سيما كل ما طرح في جلسات الحوار السابقة حول الاستراتيجية الدفاعية، وسيستعين بما قدمه في هذا المجال السيد حسن نصر الله والنائب وليد جنبلاط وسمير جعجع، وسواهم. وستكون له افكار ومساهمات محددة في هذا المجال، على ما قال لـ»السفير«.
وقال نائب رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية النائب جورج عدوان لـ»السفير«: ان جعجع سبق وطرح في الحوار السابق تصورا »لاستراتيجة حماية لبنان« تتضمن الكثير من التفاصيل التي تضمن كل السبل الممكن توظيفها لحماية لبنان وقيام دولة قوية وقادرة.
أما النائب آغوب بقرادونيان فأكد لـ»السفير« انه منفتح على كل الطروحات وأنه سيحدد تصوره من الاستراتيجية الدفاعية في ضوء الطروحات التي ستطرح خلال الحوار. كذلك قالت مصادر قيادية في حزب الكتائب ان الحزب جهّز مشروعا مكتوبا للاستراتيجية الدفاعية سيطرح، لكنها تكتمت على عناوين المشروع.
ولذلك يقع موضوع الاستراتيجية الدفاعية عن لبنان بوجه الاعتداءات الاسرائيلية ومن ضمنه موضوع سلاح المقاومة، في صلب الازمة القائمة، ليس بسبب خلاف على سلاح »حزب الله« بما هو قائم وموجود منذ اكثر من عشرين سنة على الاقل، بل بما هو مرتبط بالخلاف على النظرة الى حق المقاومة ودورها، وهل ما زالت محور إجماع وطني؟ما يعني خلافا على دور لبنان في الصراع مع العدو، وهو ما سبق واطلق عليه النائب وليد جنبلاط: هل نريد لبنان هانوي أم هونغ كونغ؟ لكن الخلاف المستجد ظهر تحت عنوان»حق المقاومة ودور الدولة ومرجعيتها«.
والخلاف المطروح امام مؤتمر الحوار الجديد غدا، كان هو ذاته محور مؤتمر العام ،٢٠٠٦ الذي خرج بتفاهمات على عدد من البنود، الا انه ارجأ البحث بموضوع الاستراتيجية الدفاعية الى موعد لاحق، نسفه عدوان تموز الاسرائيلي عام ،٢٠٠٦ وبقي البند معلقا الى الآن، مع ان البيان الوزاري للحكومة الحالية (حكومة الوحدة الوطنية) اقر بحق لبنان المشروع بتحرير ارضه بكل الوسائل المشروعة، بما فيها المقاومة.
وهذا الخلاف حول »حق المقاومة ودور الدولة« كان وراء استمرار اجواء التشنج في البلاد نظرا لوجود نظرتين وربما مشروعين، لما يفترض ان يكون عليه لبنان. نظرة لبنان المقاوم ونظرة لبنان المهادن. وما بين هذين المشروعين تقع مشاريع خارجية كبيرة ما زالت تتحكم بالوضع اللبناني وتمنع الحلول فيه.
مؤتمر ٢٠٠٦
شارك في مؤتمر الحوار ٢٠٠٦ كل من: رئيس المجلس النيابي نبيه بري، رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد ميشال عون، الامين العام لـ»حزب الله« السيد حسن نصر الله، الرئيس امين الجميل، النائب ميشال المر، النائب غسان تويني، النائب بطرس حرب (ممثلا قوى قرنة شهوان)، الوزير محمد الصفدي (ممثلا التكتل الطرابلسي)، رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري، رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، رئيس الكتلة الشعبية النائب ايلي سكاف، ممثلون عن الاحزاب الارمنية الثلاثة الطاشناق والهانشاك والرمغفار، مداورة، رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع. وروعي في التمثيل التوزيع السياسي للطوائف والمذاهب الاساسية وتم تغييب قوى سياسية اساسية بحجة انها غير ممثلة في المجلس النيابي، في حين ان الحزب السوري القومي الاجتماعي ممثل في البرلمان بنائبين ولم يتم إشراكه، كما ان القوى الناصرية ممثلة بالنائب اسامة سعد وتم تغييبها. عدا عن تغييب احد اكبر الزعماء الموارنة الوزير السابق سليمان فرنجية، واحد اكبر زعماء السنة الرئيس عمر كرامي.
اقر مؤتمر الحوار اللبناني قبيل اختتامه بأيام (في٢١ حزيران ٢٠٠٦) »ميثاق شرف« لاحتواء »الاحتقان الذي ينذر بمخاطر كبيرة«، وأرجأ جلساته الى ٢٩ حزيران ٢٠٠٦ لمواصلة البحث في مصير سلاح »حزب الله« المدرج في بند الاستراتيجية الدفاعية عن لبنان في مواجهة اسرائيل.
وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري في مؤتمر صحافي »نظرا لاجواء الاحتقان السياسي اجمع المتحاورون على وجوب السعي لازالة اسباب التشنج من خلال اقرار ميثاف شرف يرعى الحياة الديموقراطية وعلاقات القوى والاحزاب والشخصيات السياسية«.
ونص الميثاق على »الزام الجميع قواعد الاحترام المتبادل في التخاطب السياسي والاعلامي بطريقة تحفظ حق الاختلاف في الرأي والمواقف وتحفظ حرية الانتقاد بعيدا عن التجريح والمس بالكرامات الشخصية والحرية الفكرية«.
كما تضمن النص حث اطراف الحوار »على سعي جدي لدى مؤيديهم ووسائل الاعلام التابعة لهم من اجل احترام مضمون الميثاق والحد من الاحتقان الطائفي والسياسي الذي ينذر بمخاطر كبيرة لا يجوز السماح بحصولها«.
وبشأن البحث في الاستراتيجية الدفاعية، البند الاخير على جدول اعمال المؤتمر، قال بري: لم يستكمل البحث نهائيا وقد ارجئت الجلسة الى ٢٩ حزيران.
وفي هذه الجلسة، توافقت الشخصيات السياسية اللبنانية الأربع عشرة على ثلاثة بنود خلافية كانت مطروحة على طاولة الحوار، وبقي بندان آخران للبحث.
بنود التوافق الثلاثة هي بند العلاقة مع سوريا وبند السلاح الفلسطيني وبند هوية مزارع شبعا. أما البندان اللذان لم يجر الاتفاق بشأنهما فهما بند سلاح »حزب الله« والبند المتصل بمصير رئيس الجمهورية (وقتها)، واللذان ينص عليهما قرار مجلس الأمن الدولي الرقم ١٥٥٩ الذي يقول بوجوب نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية في إشارة الى سلاح »حزب الله« والفصائل الفلسطينية. كما ينص القرار المذكور على ان التمديد لرئيس الجمورية امر غير دستوري. وكان قد جرى ادراج مصير رئيس الجمهورية الحالي على بساط البحث كغيره من بنود القرار .١٥٥٩ لكن رئيس الجمهورية آنذاك اميل لحود بقي في منصبه حتى الحظة الاخيرة (٢٤ تشرين الثاني٢٠٠٧)، وبقي موقع الرئاسة الاولى بعد خروجه من قصر بعبدا شاغرا حتى يوم ٢٥ ايارالماضي، الى حين التوافق على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية بموجب اتفاق الدوحة.
وفي بند العلاقة مع سوريا اتفق المجتمعون على إقامة »علاقة ندية« بين الدولتين، وعلى اقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين في اقرب وقت. أما بخصوص بند السلاح الفلسطيني فقد جرى التوافق على معالجة قضية هذا السلاح خارج المخيمات في مهلة زمنية تمتد ستة اشهر، ومعالجة السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، مع تأكيد مسؤولية الدولة اللبنانية عن حماية الفلسطينيين. لكن لم تتم معالجة هذا البند بعد ربطا بالصراعات العنيفة التي اعقبت عدوان تموز، وعقّدت الامور السياسية اكثر، حتى وقعت معارك السابع من ايار، وتدخل العرب لوقف المعارك والتوصل الى اتفاق الدوحة، وانتخاب الرئيس سليمان، الذي عمل في اول مهمة رئيسية له على تطبيع العلاقات مع سوريا بزيارته دمشق، واتفاقه مع الرئيس السوري بشار الاسد على إقامة العلاقات الدبلوماسية. فانتهى بذلك بند معلق من بنود الحوار، وبقي بند ترسيم او تحديد الحدود في مزارع شبعا، كمطلب لبعض قوى الحكومة بحجة السعي الى تثبيت لبنانيتها والعمل على تحريرها دبلوماسيا ووضعها تحت وصاية الامم المتحدة.
لم يأت التوافق على هذين البندين بجديد مفاجئ، فالحكومة اللبنانية في بيانها الوزاري نصت على مضمون البندين وأخذت ثقة مجلس النواب اللبناني على اساس بيانها. كما انه تم الاتفاق على هذين البندين في المرحلة الاولى من المؤتمر قبل تعليقه لعدة ايام.
لكن الجديد الملتبس جاء في البند المتصل بهوية مزارع شبعا وهو ما كان محور خلاف بين المتحاورين على طاولة البحث وخارجها، وكاد الخلاف بشأنه يطيح بالحوار لأن تثبيت ملكية مزارع شبعا يعني الولوج الفعلي في مصير سلاح »حزب الله«.
وجاء نص الصيغة المتوافق عليها كالتالي: »دعم الحكومة اللبنانية في جميع اتصالاتها لتثبيت لبنانية مزارع شبعا وتحديدها وفق الاجراءات والاصول المقبولة لدى الامم المتحدة«.
وجاءت هذه الصيغة وسطية بين مطلب وجوب ترسيم الحدود مع سوريا (الاكثرية النيابية وقتها) وبين تأكيد عدم لزوم ذلك لأن المزارع لبنانية (قوى المعارضة).
حوار بعبدا
والآن يدخل القادة الاربعة عشر ميدان الحوار مجددا على بند وحيد متبقٍ هو الاستراتيجية الدفاعية، واستعدت القوى السياسية المدعوة بما لديها من سلاح سياسي وعتاد مستندي، وسيبدأ المتحاورون الاربعة عشر انفسهم المؤتمر بعد كلمة افتتاح الرئيس سليمان، التي ستنقل مباشرة على الهواء، بتحديد عناوين البحث، واولها بند الاستراتيجية الدفاعية، وسط اصرار من بعض الاطراف على ان تبحث متفرعات الدفاع: العسكرية والامنية، وايضا الاقتصادية والمالية والاجتماعية، بما هي من اهم مقومات الدفاع والصمود. وهذه العناوين الاضافية قد تخلق اشكالات في بداية المؤتمر، اذا قد يرفض التطرق اليها فريق رئيس الحكومة وحلفاؤه، وقد يحصل توافق على بحثها لاحقا.
ولاحظت اوساط متابعة للمؤتمر ان الرئيس وجه دعواته للاطراف التي وقعت على اتفاق الدوحة، وليس للذين حضروا مؤتمر العام ،٢٠٠٦ وقد وجهت الدعوة خطيا الى النائب آغوب بقرادونيان مساء الجمعة الماضي لتمثيل الارمن كونه هو من وقع اتفاق الدوحة، ولم توجه الى النائبين آغوب قصارجيان ويغيا جيرجيان اللذين حضرا مفاوضات الدوحة لكن لم يوقعا على الاتفاق، بينما في الحوار السابق كان يرأس الوفد الارمني احد الثلاثة ويجلس الاثنان الآخران كمراقبين في الحوار.
وقال النائب سيرج طور سركيسيان لـ»السفير«: ان النائب السابق ناظم الخوري اتصل بالنواب الارمن الثلاثة وتمنى عليهم انتداب واحد يمثل الارمن، وان الاتصالات جارية لتحديد الشخص الذي سيتم انتدابه، بإعتبار ان الاحزاب الارمنية الثلاثة كانت ممثلة في الدوحة.
وقالت مصادر مقربة من الرئيس سليمان لـ»السفير« انه لا يعارض حضور أي طرف ارمني يتفق عليه الاطراف الثلاثة.
وسيحضر الافتتاح وجلسات الحوار الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى، وربما رئيس وزراء قطر وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، اللذان سيلقيان كلمتين للمناسبة، كما يحضر مستشار الرئيس سليمان النائب السابق ناظم الخوري. وذكرت المعلومات ان الحوار في مرحلته الاولى قد يقتصر على الافتتاح وكلمة الرئيس سليمان، وتحديد عناوين الحوار وبحث امكانية توسيع عدد المشاركين، وتحديد موعد الجلسات المقبلة بعد عودة الرئيس سليمان من الولايات المتحدة، حيث يسافر يوم الاحد المقبل (٢١ ايلول) الى نيويورك للمشاركة في دورة الجمعية العامة للامم الملتحدة، وينتقل في ٢٥ ايلول الى واشنطن للقاء الرئيس الاميركي جورج بوش.
ورجحت دوائر قصر بعبدا ان تعقد جلسة واحدة الثلاثاء وترفع الجلسات الى ما بعد عودة الرئيس سليمان، لانه سينهمك خلال الايام الخمسة المقبلة بتحضير خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة وملفات لقائه بالرئيس بوش والمسؤولين الاميركيين الآخرين. وستشكل لجان متابعة بعد انفضاض الجولة الاولى.
وذكرت مصادر قصر بعبدا ان نص الدعوة لم يتضمن طلبا ان يقتصر الحضور على »الصف الاول«، »لأن رئيس الجمهورية لا يُصنّف الناس«، لكن الرئيس سليمان تمنى في اتصالات هاتفية ببعض القوى المشاركة، الحضور بشخص الصف الاول.
ويبدو ان السيد حسن نصر الله لن يحضر شخصيا للاسباب الامنية المعروفة وسينتدب في حال تغيب، رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد.
الامور اللوجستية في القصر الجمهوري انتهت بشكل نهائي، لجهة مكان الاجتماع، (قاعة ٢٢ تشرين الثاني الكبرى)، وشكل الطاولة بيضاوية لجهة جلوس رئيس الجمهورية، ومستطيلة من الطرف الآخر، وليست مستديرة كطاولة الحوار السابق، ليرأسها الرئيس سليمان كونه ليس طرفا. وهو سيلقي كلمة يركز فيها على الحوار والمصارحة للتوصل الى تفاهم حول كل الامور المطروحة المختلف عليها بما يمهد للمصالحة الوطنية. وسيترك للمتحاورين تقرير الخطوة التالية.
تحضيرات الآطراف
وبالنسبة للاطراف المشاركة، قالت اوساط الرئيس نبيه بري انه سيقدم وجهة نظر حول الاستراتيجية الدفاعية لم يسبق ان طرحها مع انها جاهزة منذ طاولة الحوار الاولى.
في حين سبق وقدم النائب وليد جنبلاط مقترحات تتمحور حول تعويم اتفاق الهدنة ودمج مقاتلي المقاومة تدريجيا بالجيش اللبناني.
وقال النائب جنبلاط لـ»السفير«: انه قدم افكارا معينة عام ،٢٠٠٦ وسيعود اليها في الحوار الجديد، وهناك تفاصيل عسكرية لا افهم بها، وهي بحاجة للجان اختصاص، لذلك اتمنى على الرئيس سليمان تشكيل لجنة عسكرية خاصة للبحث في الامور العسكرية الدفاعية.
وعما اذا كان سيطرح مواضيع اخرى للبحث وهل يوافق على ربط القضايا الاقتصادية الاجتماعية والمالية بالاستراتيجية الدفاعية، قال جنبلاط: هذه المواضيع تبحثها الحكومة وقد باشرت بها عبر زيادة الاجور واجراءات اخرى. وقد يبحثها مجلس النواب بحضور جميع الاطراف.
أما »حزب الله« فهو سيعتمد على المقاربة التي قدمها السيد حسن نصر الله في الحوار السابق، وقد يضيف اليها تفصيلات.
وقال نائب رئيس الحكومة عصام ابو جمرا لـ»السفير«: ان تكتل التغيير والاصلاح لديه تصور للاستراتيجية الدفاعية سيطرحها العماد ميشال عون في وقتها، وسيُعقد (اليوم) اجتماع للتكتل للبحث في المواضيع المهمة الاخرى التي يمكن ان تطرح ونعتبرها من الاولويات الوطنية، كالتفاهم على تثبيت العيش المشترك، ووضع نظام داخلي للمؤسسات الرسمية التي لا نظام داخليا لها، لمنع حصول خلافات ومشكلات داخل هذه المؤسسات. وهذا الموضوع سأطرحه انا على اجتماع التكتل.
وقطع النائب ميشال المر اجازته في فرنسا وهو سيعود اليوم الاثنين، وقد جهز ملفاته، لا سيما كل ما طرح في جلسات الحوار السابقة حول الاستراتيجية الدفاعية، وسيستعين بما قدمه في هذا المجال السيد حسن نصر الله والنائب وليد جنبلاط وسمير جعجع، وسواهم. وستكون له افكار ومساهمات محددة في هذا المجال، على ما قال لـ»السفير«.
وقال نائب رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية النائب جورج عدوان لـ»السفير«: ان جعجع سبق وطرح في الحوار السابق تصورا »لاستراتيجة حماية لبنان« تتضمن الكثير من التفاصيل التي تضمن كل السبل الممكن توظيفها لحماية لبنان وقيام دولة قوية وقادرة.
أما النائب آغوب بقرادونيان فأكد لـ»السفير« انه منفتح على كل الطروحات وأنه سيحدد تصوره من الاستراتيجية الدفاعية في ضوء الطروحات التي ستطرح خلال الحوار. كذلك قالت مصادر قيادية في حزب الكتائب ان الحزب جهّز مشروعا مكتوبا للاستراتيجية الدفاعية سيطرح، لكنها تكتمت على عناوين المشروع.