الكلمة الاولى كانت لرئيس الحزب الشيوعي فرع استراليا السيد عبد المجيد حجازي تحدث عن مناقبية وتاريخ المرحوم جليل بيضون الذي كان مناضلا وشاعرا وفنانا.
السيد شكري فرحات, القى قصيدة شعرية معبرة عن سيرة الفقيد.
السيدة لويزة طوق, القت كلمة تأبينية تحدثت عن شخصية الفقيد الادبية والفنية والاخلاقية.
الشاعر شوقي مسلماني, كان له كلمة تحدث بها عن السيرة النضالية والفنية والادبية للفقيد, وما كتب عنه الادباء والشعراء.
كلمة إبناء بنت جبيل القاها الدكتور محمد جمعة.
ثم تم عرض صور قديمة وحديثة للفقيد مع جزء من أعماله ومنحوتاته وما تحدثت عنه الصحف الاسترالية والعربية.
السيد وديع سعادة, القى كلمة تابينية, ومما قاله: لقد حارب الفقيد الجهل والظلم بمنحوتاته وأعماله الفنية.
السيدة رجاء طبر , القت كلمة جاء فيها : كل من عرفه أحبه , لقد كانت عين جليل على الجليل المحتل, وكان مثلها الاعلى في استراليا وكان الفنان الملتزم.
الشعر حبيب فارس, القى كلمة من ابيات من الشعر.
السيدة نشلين جنات, تحدثت باللغة الانكليزية عن فن وعبقرية الفقيد.
نجل الفقيد السيد شفيع بيضون, كانت له كلمة تحدث بها عن سيرة ابيه مضيفا عليها دموع الحزن.
الكلمة الاخيرة كانت لزوجة الفقيد السيدة بشرى بيضون, أتت على ذكر زوجها الذي حمل في قلبه كل شيء جميل, والتماثيل التي تركها الفقيد ستبقى تبعث على الفخر والاعتزاز, وختمت كلمتها بسلام عليك يا جليل.
كلمة الشاعر شوقي مسلماني في تأبين الراحل جليل بيضون
الفنّان الراحل جليل بيضون
ـ شوقي مسلماني
كانت حياة الراحل الصديق المثقّف المناضل والفنّان جليل بيضون كثيراً قاسية ودائريّة مثل حياة عرب اليوم عموماً على الرّغم من انفراجات للشمس وسط كثافة الغيوم وعلى الرّغم من وثبات في هذا الرمل الواسع والشاسع وعلى الرّغم من إرادة وردة حمراء يشرئبّ عنقها وسط هذا الخراب أمنيّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً وقضائيّاً.
نكبة فلسطين في أواخر النصف الأوّل من القرن الفائت واتّساع شهيّة الغرب مع اتّساع خرائط مخازن النفط ـ الذهب الأسود أيقظتا العرب أنّهم إنّما خرجوا من قيد العثماني ليواجهوا قيداً آخر لا يقلّ دهاءً ومرارة، وأوّل ما تفتّح وعي جليل على تلك الحقبة بالذات وهو المولود سنة 1939 ليبدأ بتلمّس خطى النضال من أجل الأرض والإنسان في بيت كريم صوته واحد: "فلسطين عربيّة، تونس عربيّة، مراقش عربيّة، الجزائر عربيّة". وبكلّ وجدانه انخرط "أبو الشّفيع" في العمل الوطني والقومي العربي حتى إذا استشعر يأساً من ظلام مع بدايات الحرب الأهليّة اللبنانيّة، وهو القوي بوعيه وإدراكه وتجربته واطّلاعه الواسع، حمل حقيبة السفر إلى المقلب الآخر من الأرض إلى أستراليا الجزيرة وشبه القارّة ليستطعم شيئاً من حريّة طالما هتف لها وشيئاً من حقوق وشيئاً من كرامة أي شيئاً من ثالوث يُهان في الزنازين من المحيط إلى الخليج.
ولكن لم يُنسه واقعُه الجديد في أستراليا واقعَه القديم في لبنان، وأسند كتفه في سيدني إلى أكتاف لبنانيين وعراقيين وفلسطينيين وسوريين وغيرهم من العرب المهاجرين الذين يقاسمونه همومه وشجونه وأحلامه، حتى إذا ساد في العالم عصر القطبيّة الواحدة الوحشيّة بامتياز، مطلع تسعينات القرن العشرين، اشتبك مع إنسداد في الأفق مرّة ثانية واعتصم بذاته ليبدأ بكتابة سيرة حياته، وليس كما يمكن أن يتبادر إلى الذهن أي يمسك القلم ويخطّ على الورق، بل بنحتِ الحجر وتطويعِ الحديد كأن لا يخطئن أحد أنّ جليل بيضون قد استقال من كيانه ومن كلّ خليّة حياة فيه، بل هو في جبهة كامنة قديمة ـ جديدة لا تقّل أهميّة ونبلاً وحساسيّة وخطورة وإنسانيّة.
دخل جليل بيضون الفنّان عالم النحت من طريق معهد ميدوبنك للفنون ـ نيو ساوث ويلز سنة 1996 ليحوز سنة 1999 النجاح، وليحوز في ما بعد عدداً من الجوائز، وهو في كلّ أعماله كان يترجم من محفوظاته التي منها: "كلّ عقل نبي" و "دم الشهداء تعرفه فرنسا وتعلم أنّه نور وحقّ" و"وضعوا الإنسان في الجنّة فصاح وقال آه يا وطني" و"نحن قوم تذيبنا الحدق النجل على أنّنا نذيب الحديد" مثلما كان يترجم أفكاره ومنها أنّ المرء "يجد في العمل دافعاً أكبر" و"في العمل يتجوهر العقل وتتفتّح الصور الجماليّة في الذهن" وأنّ الإنسان يجب أن يشعر بالمسؤوليّة اتّجاه العالم ويجب "أن يعيش هذا الواقع" وأنّ "الفلسطيني سينتصر مهما بلغت الآلام" و"الأمم المتّحدة هي أمم عار" وأخيراً وليس آخراً: "ماذا الحديد القاسي إذا معي عقلي أطوّعه به وأحوّله إلى قطع حنان".
استقبل المناضل والفنّان جليل بيضون حياته بقلب مُقبِل على رغم كلّ الصعوبات، ولكنّ الحياة كانت كثيراً صدرها ضيّق لتختطف منه فلذة كبده إبنه الثاني الهادي ابن العاشرة ربيعاً ولتتركه مترنّحاً في تجربة عين دامعة. ويكتب فيه الشاعر عبّاس بيضون فيقول: "كان جليل صاخباً وصاحب انفعال تخشى بوادره، كما قال الشاعر العربي، كان في ذلك أقرب إلى الفنّان منه إلى المناضل الحزبي، لكنّ جليل، كان مع ذلك، من جيل لعبتُه السياسةُ وفنُّه السياسةُ، فهو حتى حين لم يكن يستظلّ بحزب كان دائماً في أجواء العمل السياسي، لكنّه حين هاجر إلى استراليا وجد في الحزب الشيوعي هناك ملاذاً، ولمّا كنتُ بعيداً عنه لم أعرف إذا كان انصاع للالتزام الحزبي أم غلب عليه طبعه الغضوب المنفعل، غير أنّ ما فاجأني هو أنّ الفنّان الكامن في طبع جليل ما لبث أن ظهر هناك، فحين التقيت بجليل في بيروت علمت منه أنّه غدا نحّاتاً، وأراني قطعاً من نحته وصوراً لمنحوتات خلّفها في استراليا. في إحدى زيارات جليل للبنان حدّثني، وهو دامع العينين، عن وفاة ابنه، تلك هي المأساة التي قيل إنها أفضت به إلى نهايته المبكّرة".
وكم كنت كريماً مناضلاً مثقّفاً فنّاناً وإنساناً إنساناً وشهيد حياة بطلاً يا جليل.
تصوير / حسين الديراني - محمد جوني