أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

محمية شهداء المقاومة في حرج علي الطاهر

الأربعاء 11 آذار , 2015 09:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 5,907 زائر

محمية شهداء المقاومة في حرج علي الطاهر

ينتظر أن ينعم "حرج علي الطاهر" بالاخضرار والجمال مجدداً بعد اليباس والدمار الذي طاوله إبان الاحتلال الإسرائيلي له على مدى نحو عقدين من الزمن، وذلك من خلال حملة كانت قد أطلقتها بلدية النبطية الفوقا قبل فترة من الوقت، بهدف إعادة تأهيله وتشجيره، وتحويل أجزاء منه إلى حديقة ومحمية عامة حملت اسم "محمية شهداء المقاومة"، عربون وفاء وتقدير لتضحيات وجهود المقاومين الذين استشهدوا دفاعاً عن أرض الجنوب والوطن.

اشتهر حرج علي الطاهر قبل العام 1975 بغابته الكثيفة من أشجار السنديان والملول المعمرة المترامية الأطراف، والممتدة على مساحة مئات الدونمات من المرتفعات الصخرية العائدة "لمزرعة الطهرة" التابعة عقارياً لبلدة النبطية الفوقا التي تحده من الجهة الغربية.

ونظراً لذلك فقد شكّل الحرج "محمية طبيعية" قائمة بحد ذاتها، باتت مرتعاً للحيوانات البرية كالضباع والثعالب والذئاب والخنازير ومختلف أنواع الطيور، إلا أنه ومع بداية الحرب الأهلية اللبنانية في منتصف السبعينيات، تعرض لهجمة شرسة من الحطابين من أبناء القرى والبلدات المجاورة له، ما أدى إلى القضاء على قسم منه ، قبل أن يتحول لأكثر من سبع سنوات إلى خط للتماس بين ما كان يسمى "بدويلة سعد حداد" والمناطق المحررة، مما عرضه لتبادل القصف المدفعي بين الطرفين، وقد أدى ذلك إلى إحراق قسم كبير منه، ونفق وهرب معظم حيواناته وطيوره.

سمي حرج علي الطاهر، نسبة لمقام الولي "علي الطاهر" المدفون في التلة الجنوبية منه قبل مئات السنين. واعتبر المقام حتى منتصف السبعينيات مزاراً مهماً يقصده أهالي منطقة النبطية للتبارك به، وإضاءة الشموع بداخله، كما شكل الحرج والمقام مقصداً للرحلات والنزهات المدرسية والمخيمات الشبابية والكشفية لجمال طبيعته وهدوئه ونظافة بيئته وكثافة أشجاره.

حولت قوات الاحتلال الإسرائيلي في العام 1985 "مقام علي الطاهر" إلى موقع لميليشياتها المتعاملة معها، كما يقول مختار بلدة كفرتبنيت علي بشر، مشيراً إلى أنه منذ تلك الفترة، وحتى موعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب والبقاع الغربي في الخامس والعشرين من أيار عام 2000، تعرض حرج علي الطاهر لأبشع مجزرة بيئية طاولت أشجاره وأحجاره وحيواناته وطيوره، جراء تحوله إلى ساحة حرب أكلت الأخضر واليابس لأكثر من 16 عاماً متواصلة، فقضت على أكثر من ثمانين في المئة من أشجار السنديان والملول الكثيفة التي كانت تكسو تلاله، بعد أن غدت غابته الخضراء شبه صحراء قاحلة، لم يتبقَ منها في الوقت الحاضر سوى مئات الأشجار المثخنة بجراح الحرب.

وما يؤسف له تحوّل جزء من حرج علي الطاهر بعد التحرير إلى مكبٍ للنفايات ومحارق لإطارات السيارات المستعملة بحسب ما يقول فايز جابر الذي يملك منزلا مجاورا للحرج. ويضيف جابر: "هذا الأمر ساهم في تشويه أراضي الحرج وأشجاره وطبيعته، وجعلها بؤرة للحرائق والأوساخ والنفايات، ليزول بذلك أثر آخر لجمال الطبيعة في الجنوب بفضل الحروب والعبث والإهمال.

ويلفت رئيس بلدية النبطية الفوقا راشد غندور الانتباه إلى أن العمل على إعادة تشجير وتأهيل الحرج مدعاة سرور للبلدية والأهالي.  فالحرج عانى الكثير من رجس الاحتلال الإسرائيلي، وكان الشاهد الحي على العديد من المعارك البطولية التي خاضها مجاهدو المقاومة مع مواقع الاحتلال وتحصيناته في تلال علي الطاهر والدبشة والطهرة التي دنسها، وبالتالي يصبح من الضرورات إعادة تأهيل الحرج وتشجيره. ويشير غندور إلى قرارات البلدية واللجنة الأهلية البيئية، والقاضية بإطلاق حملة لإعادة زراعة وتشجير حرج علي الطاهر، والتي كان من أسبابها أن هذا الحرج يفوق عمره مئات السنين، وكان مرتعاً ومتنزهاً يطل على جميع القرى والبلدات الجنوبية من مختلف الجهات، فكان أخضراً على مدار السنة، لذلك نريده أن يبقى كذلك، وعلى هذا الأساس كان لا بد من إعادة زراعة شجرة مكان كل واحدة أحرقت أو اقتلعت.

ويوضح غندور أن البلدية باشرت بهذه الحملة بعد التأكد من انتهاء عملية نزع الألغام والقنابل العنقودية الإسرائيلية من الحرج المذكور التي أنجزتها الفرق العاملة في نزع الألغام في الجنوب والجيش اللبناني وهم مشكورون على ذلك، للتمكن من الدخول إلى هذه الغابة باطمئنان. ويلفت الانتباه إلى أن المقاومة الباسلة وأبطالها الميامين وشهدائها الخالدين هم عزنا وشرفنا وكرامتنا، وأقل الوفاء لهم ولدمائهم الزكية التي سالت على أرض حرج علي الطاهر وروته وفتحت أزهاراً ورياحين، أن تقدم لهم "محمية شهداء المقاومة"، على بقعة أرض مساحتها ثمانية دونمات لا يزال القسم الأكبر منها يحتفظ بأشجار السنديان الصلبة، فيما القسم الآخر تعرض للحريق واليباس والتهمت النيران أشجاره. ويتابع " لذلك أعدنا غرس هذا القسم بأشجار السنديان والسرو والصنوبر والأرز والشوح والغار والشربين وبعض اللوزيات".

وطالب غندور وزارة الزراعة  والمسؤولين المعنيين والمهتمين بالشأن البيئي بالالتفات إلى أهمية موقع حرج علي الطاهر، بما يحفظ جماله وأشجاره وصخوره وطبيعته، وذلك من خلال العمل على تشحيله وتنظيفه وتشجير المساحات الفارغة منه، مشيراً إلى أن كلفة الاهتمام بالحرج وإعادة تشجيره والحفاظ عليه تفوق إمكانيات البلدية المادية، لذلك فإنها بحاجة لمساعدة وزارة الزراعة على هذا الصعيد.

وبالرغم من ذلك يؤكد غندور أن البلدية تحافظ على الحرج في الوقت الحالي بإمكانياتها المتواضعة، لافتاً الانتباه إلى قيامها منذ سنوات عدة وبالتعاون مع قيادة الجيش اللبناني، برش بذور السنديان والصنوبر والأشجار الحرجية الأخرى على أرض الحرج والمنطقة المحاذية له بواسطة مروحية للجيش، كما كشف عن قيام البلدية بالكثير من حملات التشجير لكافة الطرقات العامة والفرعية وأحياء البلدة وفي خراجها العقاري، إضافة لإنشاء عدد من الحدائق العامة انطلاقاً من أن الاهتمام بالاخضرار والأشجار يشكل الشغل الشاغل للبلدية، وبفضل هذه الحملات تحولت البلدة إلى جنة غنّاء.

عدنان طباجة - السفير 

Script executed in 0.21540498733521