لم يندم أبو حسن على إمضاء ثلاث سنوات من عمره في العمل بدون أجر، يوم كان لا يتجاوز العشر سنوات، اكتشف خلالها العمل السري والتخفي من العسكر، حين كان يكلفه معلمه، توزيع المناشير الحزبية عند نهاية دوامه.
يفخر وحيد والديه الذي أنجب عشرة أولاد من البنين والبنات، بأنه خرج من محل «الشيوعي» أواديس بصماجيان في منطقة الكرنتينا، معلماً في خياطة الألبسة الرجالية، وهو لم يتعد الخامسة عشرة من عمره.
رحلة المعلم أبو حسن (79 عاماً) ابن بلدة دير قانون النهر، توزعت بين بيروت وصور، فعمل عشر سنوات في محل للخياطة يملكه نوزي سيتيان في محلة ساحة البرج، قبل أن ينتقل إلى صور للعمل لدى المعلم المعروف المرحوم رفلة أبو جمرة لسنوات قصيرة.
في العام 1970 بدأ عمله بشكل مستقل في محل صغير تحت «نادي الإمام الصادق» في صور، وكان بمثابة الانطلاق نحو فضاء أكبر. المحل الذي تسكنه ماكينات «سينجر» القديمة يعني الكثير لأبي حسن، فقد كان كفيلا بتحصيل احتياجات العائلة وتعليم الأولاد، وصولاً إلى تخرجهم ومن بينهم طيار ومهندس. ذلك من عرق مهنة ندوبها من الإبر والدبابيس وزغل العينين وانحناء الظهر.
يواضب أبو حسن يومياً على الحضور إلى محله المطل على بوابة صور، للاستئناس وتمضية ساعات من الوقت، متفقداً بين الحين والآخر أنواع لوازم الخياطين من أزرار وخيطان، مرت عليها عقود. ويقطع ذلك الانس بعض الزبائن الذين يقصدونه بسرور لإنجاز تقصير بنطال بالمجان، بعدما أخذ أبو حسن قرار التقاعد الذاتي، بالرغم من حيويته المستمرة، إذ يعتبر أنه أنجز ما عليه في هذه الدنيا، فكان جزاؤه أولاداً وأحفاداً يجعلونه أيقونتهم.
لم يعرف ابو حسن التطويع والإغراء المالي والمناصب، رفض نكران الذات في انتخابات «اتحاد نقابات العمال والمستخدمين في الجنوب» في التسعينيات، وكان حينها نقيباً للخياطين، فحافظ على خطه النقابي الإنساني الذي نهله من أشخاص عمل معهم منذ نعومة أظافره، بدءاً من معلميه وأصدقائه بصماجيان وسيتيان ورفلة أبو جمرة، فأثلج صدر النقابي المرحوم حسيب عبد الجواد، عندما رجح صوته فوز لائحة الأخير في مواجهة لائحة السلطة، قبل أن يتم بعدها تدجين الحركة النقابية وشق صفوفها.
حسين سعد
جريدة السفير 2015-05-08 على الصفحة رقم 4 – محليّات
