أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

جنوبي يعيد حرفة الجرارات الزراعية الخشبية

الإثنين 11 أيار , 2015 08:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,900 زائر

جنوبي يعيد حرفة الجرارات الزراعية الخشبية

ابن الثمانية والستين ربيعا أجبرته الظروف ليدخل سلك الحفر بالخشب، ينحتها يعطيها هوية جديدة، قلة تدرك قيمتها، بيد أنها تشكل آلية "حياة" لا يدخلها لا "نق" الزمن ولا "ظلم" الدولة التي لم تعط المواطن يوما حقه أو تؤمن بقدراته.

في غرفة تعود للقرن التاسع عشر مقببة بأحجار عتيقة تروي حكاية المُزارع... يعمل عبد الكريم، ساعات وساعات يمضيها وهو يخطط لينجز جرارا او "تراكتور" ، عربة، فانوسا، سيارات قديمة العهد وكأنه يريد أن يبث الروح في عدّة أكلها الزمن.

مصدر رزق

لم يتأت عمله من رغبة في صقل موهبة مدفونة ، بل في تأمين مصدر رزق بعد ان سُدت كل الافق ، في لبنان على المواطن ان يعمل حتى يموت، ان يحفر بأفكاره وأهدافه طريق حياة يجب ان تعبد بالتعب ليحيا بكرامة هكذا يلخص ضاهر فكرة عمل باتت تشكل بالنسبة اليه مهربا من مشاكل الواقع.

الصمت رفيق دربه وهو يقص المعادن ويعطيها هويته، ورغم ضجيج "الحف"، الا انه قليلا ما تسمعه يتحدث فكثرة الكلام تبعد التركيز ، عملي يحتاج دقة لامتناهية، التفاصيل الصغيرة تضفي جمالا وابداعا على القطعة فتتكلم.

غالبا ما يخترق كبار السن الحقل الفني الابداعي، يرممون بأعمالهم جزءًا من الذاكرة المنسية، يصنعون طموحا وُلد معهم، لكن ظروفهم لم تسمح بتطويره، فـ"ضاهر صنع طيارة وقام بتطييرها ثم سقطت، "صحيح لم أُكمل المحاولة مرة ثانية بيد انني جرَبت ان احرك هوايتي، بيد اننا اليوم للاسف نشهد عصر قصور الهوايات والخمول ونوم العقل وهذه مشكلة كبرى سترمي بنا في الهاوية".

أكوام الخشب

يحاول ضاهر الذي دخل الى مضمار صناعة الجرارات الخشبية وملحقاتها قبل ثلاث سنوات، ان يبني ابعاد الحرفة التي يعد اولا داخلها، فتحكي اعماله ابداعه، حنكته، رغبته بالتمييز لا يخفي انه يعمل ليعيش، بيد انه يؤكد ان "اعمالي تخبر عن حرفيتي وكل من يتأملها يشعر وكأنه امام منحوتة تروي قصة الماضي بثوب تحفة".

بين اكوام الخشب المتبعثر في الغرفة ولدت "موهبة" ضاهر الذي لم يتعلمها بل قرر أن يتقنها بالفطرة حسبما يقول، عدته البسيطة ساعدته ان ينجز اعمالا غاية في الدقة، يضعها على رف حجري يزينها بيت قديم صنعته لأستعيد إيام العرزال وسهرات الشباب على ضوء السراج، "ليس كما سهرات هذه الايام على شاشات الواتسآب والفايسبوك دون حوار ولا نقاش، غالبا ما تحملنا بعض الحرف التي نمتهنها مسؤولية الحافظ على عادات وموروثات الماضي، على تفاصيل غابت عن حسابتنا وهجرناها".

يحاول ضاهر قدر الإمكان تسليط الضوء على عمله من زاوية "حفظ التراث" لأنه "تاريخنا الذي سيبقى ويذكر بمرورنا في الحياة، فالجرارات كانت أساسية في حياة المزارع، كانت الزراعة عصب الحياة، كل الناس يعتاشون منها، اليوم إضمحلت وباتت من التراث المنسي".

عربة خشبية

يدخل عمل ضاهر في إطار "الفن غير المبتذل" ويشكل حلقة عبور بين زمنين عبر "عربات" تحولت الى "زينة"، يشير ضاهر الى أن "الخشب له ميزة خاصة في العمل سيما الخشب الزجاجي، لأنه طيّع، تستطيع التحكم به، أجهد أن تكون كل قطعة لها قصتها، أخضعها للتجارب، لأنني أريد للعربة أن تحكي عن نفسها".

عشرات القطع انتجتها انامل ضاهر، وهو ينجز اليوم عربة كبيرة خشبية كانت تستعمل في الماضي، يعشق ما يقوم به، علّمته حرفته الصبر فتألقت عرباته ذات الدواليب المتحركة إذا تأملتها تشعر كأنها حقيقية تحتاج فقط الى "موتور" لتسير، هنا يعلق ضاهر "هذه الحرفة تؤكد قيمة ماضينا، قيمتنا حياتنا اليوم كل شيء بات منتهي الصلاحية لا قوة داخله، لا اخفي أنني دخلتها كي أؤمن مصدر دخل لكني فجأة وجدت نفسي أعشقها وتحولت الى جزء من كينونتي أكتشف أنني أختزن موهبة كبيرة وأسعى لتطويرها ولن يوقفني شيء عن تطويرها ال الموت". يرمي بكلماته على تلك العربة الكبيرة التي ينجزها لتدخل في مجموعته التي بدأت تأخذ طريقها نحو الشهرة بعد ان أيقن جيل اليوم قيمتها الفنية ورغبته في التعرف على تاريخ عبر من قربه على غفلة.

يعتب ضاهر على دولته "لأنها لا تهتم بأبنائها، لا تحمي مواهبهم، ولا تعير كبرهم أهمية... لو كانت لدينا دولة لكانت تبنت عملي وعمل كثر من مبدعين تخرجوا من مدرسة الحاجة للعمل والتطوير والإبداع لكي يعيشوا بسلام ولكن للاسف دولتنا لا تهتم إلا بسياسة فاشلة فيما سياسة حرفنا وإبداعاتنا التي شأنها أن تجذب السياحة الى وطننا فتقع في آخر سلم أولوياتها".

رنا جوني

البلد

Script executed in 0.17093396186829