مع العلم أنه وبعد التحرير عام 2000 قُدمت للمقاومة إغراءات كبيرة في السلطة وغيرها من دون المس بالعقيدة الدينية وبالسلاح، حيث عُرض عليها أخذ التمثيل كلّه، إضافة إلى تقديم مشاريع بمليارات الدولارات في أماكن تواجدها، مقابل عدم استخدام السلاح ضد إسرائيل، فكان الجواب أن السلاح ليس للمتاجرة ولا للبيع، فسقط هذا الإغراء، وجاءت حرب تموز عام 2006، فصمدت المقاومة وشعبها في وجه الغطرسة الصهيونية وهزمت العدو، لافتاً إلى أنهم حاولوا خلال حرب تموز 2006 فصل المقاومة عن ناسها من خلال التشويه والتضليل والاستهداف المعنوي والنفسي، ولذلك حاولوا من خلال وسائل الإعلام أن يأخذوا موقفاً وكلمة من مواطن ينتمي إلى بيئة المقاومة ضد حرب تموز والمقاومة، فلم يقدروا على تحقيق هذا الأمر، وعندما لم يستطيعوا فصل المقاومة ضد إسرائيل عن الناس أصبحوا يعتبرون أن الحزب شيء والمقاومة شيء آخر، ولكنهم طيلة سنوات ما بعد الحرب، جيّشوا وسائل الإعلام وأقلام وخطباء وجمعيات للتضليل والتشويه ولم يستطيعوا أن يحرزوا أي تقدم.
كلام النائب فضل الله جاء خلال الاحتفال التكريمي الذي أقامه حزب الله لمناسبة مرور اسبوع على استشهاد الأخ المجاهد عباس يوسف خنافر في حسينية بلدة عيناثا الجنوبية، بحضور مسؤول منطقة الجنوب الأولى في حزب الله أحمد صفي الدين وعدد من العلماء والفعاليات والشخصيات وحشد من أهالي البلدة والقرى المجاورة.
وأضاف النائب فضل الله: حينما بدأت الحرب في سوريا، كان كل الكلام يقال إن شعبيتنا في العالم العربي قد بدأت تسقط نتيجة مشاركتنا في سوريا، وأن شخصية سماحة السيد حسن نصر الله لم تعد كما قبل، ومن ثم بدأوا بالترويج أن الناس ومجتمع هذه المقاومة قد تعب، وكذلك قبل معركة القلمون حيث كان هناك حملة تضليلية وضخ هائل من قبل هؤلاء أننا لا نستطيع أن نجند، وأن الناس لم تعد تريد أن ترسل أولادها، وكل ذلك خلاف الواقع، فتعالوا واسألوا آباء الشهداء وأمهاتهم وأهلهم ومجتمعاتهم هم أكثر حماسة وأشد استعدادا للتضحية، مشيراً إلى أن بعض الإخوة في حزب الله عندما قيل لهم لا مكان لكم في المعركة الأخيرة ولسنا بحاجة لهذا العدد، وطُلب منهم العودة إلى منازلهم، حاولوا البقاء في تلك الجبال لأنهم أرادوا المشاركة بشرف هذه المعركة، مضيفاً أن آخر بدعة قد اخترعها هؤلاء هي أن شعبية الأمين العام لحزب الله كانت كبيرة في العالم العربي، ولكن موقفه من أحداث اليمن هو الذي ذهب بهذه الشعبية، وقاموا بإعداد التقارير والمقابلات والتحقيقات في هذا السياق، مع أنهم كانوا يقولون أن شعبيتنا قد انخفضت منذ العام 2006،
فهذا ليس غريباً عليهم، بل هو جزء من الحملة والحرب والتضليل الذي يستهدف معنويات مجتمع المقاومة، لأنهم يعرفون أن نقطة القوة الأساسية في هذه المقاومة هي ناسها وأهل هؤلاء الشهداء والآباء والأمهات والزوجات والأخوة والأخوات والأقارب والعائلات والقرى والبلدات والجنوب والضاحية وبعلبك الهرمل. وأكد النائب فضل الله أن مجتمع المقاومة بالرغم من الاستهدافات الدائمة له فإنه متماسك ويتوحد أكثر فأكثر يوماً بعد يوم، لأن لديه الوعي بأهداف هذا العدوان والحرب والتضليل، مشيرا إلى استنفار الخطاب الإعلامي والسياسي بعد كل خطاب لسماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله حتى لو كان على شكل تسريب، فيراقبون كل حركة، إذا كان يضحك، وإذا كان عابساً، أو إذا شرب المياه أو الليموناضة يقولون إن الله أعلم ما وراء ذلك"، فهل هذا التركيز والمتابعة دليل على عدم التأثير والشعبية، أم أن هذا تأكيد على أن الشعبية والتأثير والقدرة على التعبئة والحشد لم تتراجع. ولفت النائب فضل الله إلى أننا كنّا مجتمعاً مهمّشاً، وكنّا قبل الإمام السيد موسى الصدر مجتمعاً على هامش الحياة، وكنّا قبل المقاومة عام 1982 مجرد منسيين، وكنّا قبل التحرير في عام 2000 نعيش إمّا في أرض محتلة وإمّا مهجرين وإما أن قرانا تتعرض للقصف، وكنّا نسمع في كل يوم قبل حرب تموز عام 2006 تهديداً ووعيداً إسرائيلياً، وكنّا قبل أن نغيّر المعادلة في سوريا على شفا أن ترسم لنا معادلة جديدة، وكانوا يرسمون لنا حدودنا وحاضرنا ويكتبون لنا مستقبلنا، ولكن المعادلة اليوم قد تغيّرت، حيث أصبحت هذه المقاومة لا تحدد مصير وطنها فحسب، بل أصبحت جزء من تحديد مصير كل المنطقة، لأن لديها القوة والقدرة والمجتمع والقيادة والحكمة، ولذلك نجدها تتعرض لكل الكم من الشتم والتضليل للحقائق وما شابه، وخاصة بعد كل هزيمة تكبدهم إياها المقاومة في الميدان، أو عندما لا يستطيعون أن يرسموا معادلات من دون هذه المقاومة. ورأى النائب فضل الله أننا اليوم في معركة لا يوجد فيها خيار مع هؤلاء القتلة والتكفيريين سوى: إمّا أن نكون أعزاء وأقوياء نحدد مصيرنا بأيدينا وبدماء شهدائنا وإمّا أن لا نكون، مشيرا إلى أن ما جرى في القطيف من تفجير بأحد المساجد استهدف المصلين المسلمين الذين لم يشاركوا بالقتال في سوريا يؤكد أن وجودنا في سوريا ليس هو السبب في إرسال السيارات المفخخة إلى بلدنا، بل إن وجودنا فيها هو الذي منع السيارات المفخخة من الوصول إلى لبنان، ويكفي إدعاء وتضليلاً للرأي العام في محاولة تثبيت غير ذلك. وشدد النائب فضل الله على أننا معنيّون في خوض هذه المعركة المصيرية إلى النهاية وأن نربحها، وما حققناه حتى اليوم غيّر الكثير في لبنان وسوريا والمنطقة، وقلب المعادلات، وقد استطاعت دماء الشهداء أن تحمي جزء كبيراً من حدودنا الشرقية من الإرهاب التكفيري، كما حمت حدودنا الجنوبية من العدو الإسرائيلي، وبناء عليه سنكمل بهذه المعركة بمعزل عن كل الخطاب السياسي الداخلي أو العربي أو الإعلامي. ولفت النائب فضل الله إلى أنه إبان الإحتلال الإسرائيلي قبل العام 2000 كانت بعض القوى السياسية تطلق مواقف تغطي العملاء والاحتلال وتنتقد وتهاجم المقاومة، ورغم هذا كلّه لم نتوقف عن واجبنا في الدفاع عن لبنان إلى أن حققنا التحرير في العام 2000، وكذلك اليوم فإن هناك عدو تكفيري يحتل جزء من الأرض اللبنانية، وعلى الدولة والحكومة تحرير أراضيها وحماية شعبها بالرغم من أي محاولة لتغطية هذا العدوان عبر بعض المواقف وحملات التشويه والتضليل التي تساق، مشيراً إلى أن الجيش اللبناني هو جيش مضحٍ ومقدام ومقاتل، خصوصا عندما يعطى له قرار سياسي ودعم وإمكانات، ولكن في حال لم تتحمل الدولة مسؤولياتها في هذا الموضوع، فإن الناس قادرة على أن تتحمل هذه المسؤولية، وأن أهلنا في بعلبك الهرمل قادرون على حماية وجودهم وقراهم وبلداتهم، وإن هذه المعركة لن تتوقف وستستمر حتى نتمكّن من حماية بلدنا، ومن طرد هؤلاء التكفيريين ومنعهم من المسّ بشعبنا وأهلنا وأرضنا.
وألقى إمام البلدة الشيخ عباس إبراهيم كلمة في المناسبة:
" ... ولأن الشخص لا يتحدث في تأبين نفسه ساكتفي ببضع جمل , وأترك الكلمة للمقاومة وكربلاء ؛ فانه باجتماع هذا الثلاثي المقاومة وكربلاء وشهداء ترتدي الامة ثوب العزة والكرامة ... لطالما كنت أرى نفسي ممن يجيدون صناعة الحرف ويتقنون نظم الكلم أجول في أفياء الابجدية عائداً منها بجملٍ وجمل ؛ ولطالما وقفت على هذا المنبر أجني من رحيقِ المعرفة ما أقدمه لكم فكراً وقولا , حتى وُضِعت فيما أنا فيه الآن خطيبا على منبر الشهادة فالفيتُ نفسي عاجزاً عن التعبير , صامتاً في حضرة الشهداء , لم تسعفني الابجديةُ ولم تساندي الصورُ والافكار , وعندما قصدت حدائقها لاستعير منها منها الحرف والكلمة وجدت الابجدية مشغولة بربيعها عريسِ حدائقها اقحوانةِ بيادرها وعبقِ رياحنيها ... ايها الاحبة ما أراه من مشهد تلاقي الدم القاني مع مشاعر مجتمع المقاومة لهو مشهد يختصر كل مساحات الحديث فهو الكلمة والفكر والفكرة والموعظة ؛ وليس بعيداً عنا يوم عرس ربيعنا حيث تجلى الولاء في علاقة الناس بالشهداء ... وجاءت الامهات في يد كل واحدة منهن باقة ورد تبحث عن شرفة او زاوية يمر من قربها عرس الدم لتنثر الورد فوق عريس الخلود ... ومرَّ النعش تحمله أكفُ العزةِ والكبرياء فامطرت السماء ورداً وحباً ودمعاً وابتسامة ... وسلّم أهلُ الارض نعشَ الشهادة لاهل السماء ليزداد في الافق الضياء حيث لاح في الملكوت شعاع قبس قادم من ناحية كربلاء ، شعاع ينبعث من نحر الحسين ليولِّد ثورة عشق وولاء ابطالها رجال سرعان ما أسميناهم " الشهداء" ... هؤلاء الشهداء لا يليقون الا بكم فمجتمع يستقبل شهيده بزفة وورد وابتسامة لهو مجتمع يليق ان نقبل يده التي ربت ذلك الشهيد , لهو مجتمع ننحي امامه لوعيه وولائه وبصيرته ؛ فالام التي تلاقينا بفرحة وزغردة ونحن ننقل لها نبأ استشهاد ولدها لهي أم ترفع رأس أمة باسرها والاب الذي يتشاجر مع ولده ايهم يذهب للجهاد لهو اب نعتز به ونفتخر ... ايها الاحبة ! ورد في كتاب اصول الكافي «عن عاصم بن حميد قال : قال علي بن الحسين عليه السلام: إن الله عز وجل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون ...» ومما لا شك فيه ان المجتمع الذي يحتضن رجالاً كهولاء الشهداء في وضوح النهج وصدق الولاء لهو مجتمع افراده من اولئك المتعمقين الذين تجذر في وجودهم الايمان قولا وعملا فاخذوا يفكرون بصاحب عصرهم وزمانهم ففي الوقت الذي يدخر فيه الاهل اولادهم جادوا بفلذات اكبادهم ليبقى الحجاب والخدر ويصان الايمان والفكر ولترتشف الامة طعم النصر وترتوى كرامة وشموخاً وفخار من بعد ظمأ وتردي وانكسار ، حالهم كالذين قال تعالى فيهم ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) واخيرا احمد الله على أن جعلني في زمان انتم أهله وناسه ولم يخرجني في وقت لستم فيه ، فبكم وبوعيكم وبولائكم وصبركم يحاك ثوب شرف هذه الامة .... ".