أكد عضو المجلس المركزي في حزب الله سماحة الشيخ حسن بغدادي، أننا لو تخلّينا عن مسؤولياتنا في هذه اللحظات الحاسمة، لارتكبنا أكبر المحرمات التي ترتقي إلى التخلي عن المسؤولية أمام الأمة، فالله تعالى اختارنا في زمن لا يحتمله إلا الرجال المخلصون، أصحاب البصائر النيرة والعقول الواعية والقلوب المطمئنة.
فلبنان، هذا البلد الصغير الذي لم يكن يحسب له أي حساب في المعادلات الإقليمية والدولية، استطاع أن ينتصر ويرفض مشاريع الهيمنة والاحتلال، حتى كان الانتصار الكبير في تموز 2006م، حيث لامس المقاومون الأمن الإسرائيلي مباشرةً، بعدما أسقطوا هيبته ومنعوه من تحقيق أهدافه، حتى وصلنا إلى عملية الردع الحقيقية، التي بات العدو يحسب لها ألف حسابٍ قبل أن يخطوا خطوةً واحدةً باتجاه عدوانه.
أضاف الشيخ بغدادي: اليوم نحن بحاجة إلى هذه المعادلة مع رعاة الإرهاب التكفيري الذي هو الوجه الآخر للعدو الإسرائيلي، فإسقاط هيبتهم، ومنعهم من تحقيق أهدافهم في العراق وسوريا واليمن ولبنان، ومن ثمّ إخضاعهم للحوار المنطقي، هو الذي سيستعيد الهدوء والإستقرار في المنطقة إلى عشرات السنيين.
جاء كلام الشيخ حسن بغدادي في الندوة الفكرية التي نظمتها جمعية الإمام الصادق(ع) لإحياء التراث العلمائي في بلدة أنصار الجنوبية بمناسبة عيد المقاومة والتحرير، والتي كانت تحت عنوان: (علماء جبل عامل والموقف الشرعي من الإحتلالات المختلفة: السيد عبد الحسين شرف الدين والسيد موسى الصدر والسيد حسن نصر الله "نموذجاً").
وإذا كانت المقاومة الفكرية وعدم الترحيب بالإحتلال أساس العمليات المسلحة، فقد يبدو للوهلة الأولى أنَّ المعادلة بسيطة والفكرة واضحة لا تحتاج إلى شرح وتوضيح، ولكن أقول: أنَّ الذي دعاني إلى اختيار هذا العنوان هو الإعتراف بالجميل لأولئك العلماء والقيادات الفاعلة والشهداء الأعزاء والشعب الصابر والمضحي.
والشيء الثاني: أنَّ ما وصلنا إليه اليوم متصل بتلك المواقف والإنجازات في العهود المختلفة، ولا أريد أن أبتعد كثيراً عن المراحل ذات الصلة بما وصلنا إليه، من نهاية الحكم العثماني إلى الإنتداب الفرنسي والإحتلال الإسرائيلي.
ولعلّ السيد عبد الحسين شرف الدين هو أحد هذه النماذج التي عاصرت المراحل الثلاثة، وإن كان العصر الإسرائيلي لم يراه في لبنان بالمعنى العسكري، ولكنه حذّر منه، وكان حاضراً زمن النكبة، واستطاع السيد شرف الدين أن يؤسّس لمرحلتين، مرحلة ستينيات القرن الماضي التي كان رائدها الإمام المظلوم السيد موسى الصدر، ومرحلة ما بعد اجتياح 1982م والتي تكاملت فيها جهود المقاومة التي اكتملت بالمقاومة الإسلامية، وأصبح رمزها اليوم الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله.
هذه المراحل الثلاثة، لا يمكن فصلها عن بعضها، كما لا يمكن فصل الاحتلال الإسرائيلي عن الانتداب الفرنسي والبريطاني للمنطقة، حيث هيأ الأرض لاحتلال فلسطين وضَمّ جنوب لبنان لها، لأجل ذلك كانت المطالبة العلمائية وفي مقدمتها السيد عبد الحسين شرف الدين في مؤتمر وادي الحجير سنة 1920م الذي حذر فيه من التقسيم ودعا للتمسك بالوحدة العربية، و المطالبة بعدم فصل جبل عامل عنها.
وكما تحدث في الندوة عضو كتلة الوفاء للمقاومة سعادة النائب الدكتور حسن فضل قائلاً:
بدايةً لا بد من توجيه شكر خاص لسماحة الأخ الشيخ حسن بغدادي، على إتاحته لي هذه الفرصة لأتحدث في ذكرى انتصار أيار من عام 2000م، من خلال هذه الندوة الفكرية التي تحاول أن تربط الحاضر بالماضي، من خلال رموز تلك المراحل التي كان قادتها أولئك الأعلام الذين ضحّوا وسهروا وجاهدوا في سبيل عزة ومنعة هذا الوطن، ونحن مدينون كمواطنين ومقاومين لهؤلاء العلماء الذين ببركتهم وصلنا إلى هذا المستوى.
إن الأوضاع التي نعيشها اليوم تتشابه مع ما كنا نعيشه عام 1948، يوم كانت الدولة غائبة عن تأمين الرعاية والحماية للجنوب من الخطر الإسرائيلي المحدق به، فاليوم هناك أراضي لبنانية حدودية تحتلها الجماعات التكفيرية، الأمر الذي يشكل خطراً على القرى المجاورة، وهذا الخطر لا يهدد منطقة واحدة بعينها، بل يهدد كل الوطن من شماله إلى جنوبه.
واعتبر أن غياب الدولة التي يرفض البعض منها اليوم، مناقشة موضوع عرسال في مجلس الوزراء، هو الذي دفع بشبابنا المقاوم أن يحمل لواء الدفاع عن أرضه، ويجاهد من أجل الحفاظ عليها، مع الأخذ بالعلم أننا لسنا من دعاة الحرب، وغياب الدولة هو الذي حتم علينا القيام بالواجب الدفاعي، كما تحملناه في السابق في الجنوب اللبناني.
كما شدد فضل الله على ضرورة التمسك بمعادلة (الجيش والشعب والمقاومة)، التي أثبتت نجاحها في لبنان والعراق وسوريا، وأنتجت التحرير عام 2000 وانتصار تموز 2006 في الجنوب اللبناني. وجدد دعوته إلى وحدة الساحات والجبهات من أجل مواجهة العدو التكفيري، لأننا رأينا كيف خسرت الأمة بالتجزئة والتقسيم فلسطين.
وعن الخطر التكفيري الذي يهدد المنطقة قال: إن التكفيريين والصهاينة هما وجهان لعملة واحدة، ويستخدمان الأسلوب ذاته في الإجرام المتمثل بالقتل والترويع والترهيب والتشريد وإلقاء الخوف والرعب في قلوب الناس وغيرها من الممارسات الوحشية، وما نشهده من قطع رؤوس وسبي نساء يدلل على أن التكفيريين خطرهم أشد على الأمة من الخطر الصهيوني، والذي حمى لبنان وحصن ساحته من هذا الخطر هو حكمة قادة المقاومة في اختيارهم اللحظة المناسبة لمحاربتهم الخطر التكفيري قبل أن يصل إلى بلادنا، ولولا هذا التدخل من قبل المقاومة ورجالها لكانت المعارك في قرى بعلبك والهرمل ولوصل التكفيريين إلى طرابلس وأعلنوها دولةً لهم.
قدم للندوة فضيلة الشيخ عادل التركي، كما حضرها جمع من علماء الدين وفاعليات بلدية واختيارية من أنصار والقرى المجاورة، وحشد من المهتمين.