أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

عروس الإقليم التي كادت أن تكون جنة

الجمعة 26 حزيران , 2015 12:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 8,141 زائر

عروس الإقليم التي كادت أن تكون جنة

وحده الجمال يحضر في بلدة الحلاوة، ولكن السؤال من بيده مفتاح باب الدخول الى عمق السياحة من بابها العريض يرافقك الى هذه البلدة التي تعيش داخلها الثقافتين العلمية والزراعية ومعها ثقافة تراث يحضر في كل زاوية من بلدة كانت لتكون رقما سياحيا صعبا لولا غياب المشاريع المساعدة.

ذكريات العز ترافقك في بلدة ما زالت تحفظ طابعها القديم وبيوت متلاصقة وادراج طويلة

عروس اقليم التفاح تسعى لتكون رقما ثقافيا صعبا

لا تزال بيوتها التراثية تحفظ تاريخها العلمي، لا يختلف اثنان أنها بلدة الفقه والعلم.

هي بلدة الجمال التي وصفها المستشرق الفرنسي بأنها "الجنة"، وقال عنها الإمام المغيب السيد موسى الصدر "اكاد الامس حدود الجنة لكنها جباع".

في جباع عصارة الحياة، لا مجال للتفكير بالسياسة، وان كانت السياحة ما يعن على البال. لم تستنفر كل مقدراتها لترسو في ميناء الاصطياف مجددا، وترسخ قاعدة "لي الحق ان اكون عروس الجبل على الدوام". بيد ان السياسة المتبعة لم تنتهج نهج سياحة "البيئة الدينية" ، الاقرب الى واقع بلدة تعتمد حاليا في اقتصادها على الزراعة والاشجار المثمرة، وعلى السوق التجاري ومال الاغتراب.

أحاديث عز الاصطياف، تعن على بال الأهالي، ولكن لا توجد خريطة طريق واضحة المعالم، ولا حتى بروز لأهداف اقتصادية -سياحية، يمكن ان تستفيد من مقومات البلدة، الغنية بمقامات علماء العلم والفقه والطب، يمكن ان تجذب عشاق السياحة الدينية، وايضا تتغنى ببيئة خلابة يمكن عبرها اقامة منتجع بيئي ضخم يضم بيوتا خشبية ورياضات برية والاستفادة من ينابيع المياه العذبة التي يفوق عددها ايام السنة.

بيد ان من يدخلها يدرك جيدا ان شيئا لا يحوم في الافق، وحدها ذكريات العز ترافقك في بلدة ما زالت تحفظ طابعها القديم وبيوت متلاصقة وادراج طويلة تحملك من حي الى آخر وكأنك في بلدة اوروبية.

وعروس اقليم التفاح تسعى لتكون رقما ثقافيا صعبا، في زمن باتت فيه الثقافة كتابا بلا هدف، في مكتبتها العامة تتعرف على بيئة ثقافية تعمم في البلدة، وتعد من اهم مكتبات المنطقة، بيد ان وفق مفهوم الأهالي فإن "الثقافة وحدها لا تبني مستقبلا لبلدة يجب ان تجذب الانظار اليها، فهي لا تقل اهمية عن مصيف جزين، ولا حتى مصيف بكاسين الذي ادرج على خريطة السياحة الطبيعية، لا ينقص جباع شيء لترتقي لمصاف عراقة القرى لتستعيد قوتها الاقتصادية".

 

وحده تحليل ابو يوسف "لو كنا بغير دولة لكانت استفادت من خيراتنا، ولكن في لبنان لا تعلق آمالا على دولة، لا تهتم بتنشيط السياحة الداخلية، لا يشغل بالها الا سياحة السياسة" .

 

في السوق العتيق الذي يقام كل نهار جمعة، تتعرف على بيئة جباع الإقتصادية، فهو يقع عند مفترق طرق الاحياء، يخبرنا استاذ التاريخ الدكتور حسن موسى انه "كان شيبها بسوق عكاظ والمربد، داخله كانت تقام الحوارات الشعرية والزجلية، وتسمع حكايا الناس والتجار والمزارعين والحرفيين، وكان سوقا للماشية والحرفيات الصناعية والملابس، بيد انه تحول ليكون فقط سوقا تجاريا للبضائع الجاهزة وان كان لا يزال يحفظ مكانته وخفت نجمه".

ولئن كانت جباع تشتهر بالزراعة فان المونة سمتها ففي محل قديم تفوح منه رائحة اعشاب الطبيعة وتراثها، ينشغل ابراهيم وهبي الخمسيني في اعداد الكمونة البلدية، وهبي اول رجل يعمل في اعداد المونة الموسمية بكافة انواعها ، وبدأ يسوقها في المعارض الزراعية التي كانت جباع رائدتها. يقول وهبي ان "ما يقوم به جزء من تراث جباع، وتسويق لخيرات ارضها وايضا اعد المقطرات من الاعشاب العطرية التي ازرعها في حديقة خاصة، تحولت الى حقل ابحاث للطلاب".

امام دكانه يجلس ابو علي السبعيني الذي يتذكر جزءا من ذاكرة جباع، يروي لنا عن "نمنم" الداية المسيحية التي رفضت ان تغادر البلدة، بقيت وحيدة، كانت محبوبة من كل اهالي البلدة، حين توفيت العام 1997 قام اهالي البلدة بفتح ابواب كنيسة السيدة المقفلة واقامة الجناز لراحة نفسها"، مردفا "نحن ابناء بلدة واحدة، لم نعرف يوما التفرقة ولكن المسيحي هو الذي هجرها للعمل، وبقيت الكنيسة مقفلة الى ان اعيد ترميمها".

درج طويل قديم جدا يخترق المنازل التي تتدلى منها الدوالي يحملك الى كنيسة السيدة الاعتق، والتي تعود الى أواخر القرن التاسع عشر، تتميز بهندستها البيزنطية ومدخلها المكون من حجر "الميوز" المشغول يدويا تعلوه الافريز ثم الكورنيش، اما المذبح فتعلوه وردة الاكونت والبالمت".

"كان يعول ان تثير غيرة المسيحي ليعود، بيد ان اعادتها للحياة تشكل رمزاً للوحدة والتعايش ورسالة يجب ان يقتدي بها كل لبنان" وفق ما يقول الدكتور موسى.

في البلدة تتعرف على سيدات يعملن في الحقل، على تراث لم يندثر، لا يزال جرن الكبة حاضرا، ولا يزال خبز الصاج يحكي كفاح السيدات في العمل فخبز "جباع" مشهور مصنوع من القمح البلدي، وجباع لا تزال بيوتها التراثية تحفظ تاريخها العلمي، لا يختلف اثنان أنها بلدة الفقه والعلم.

ففي منزل يفوق عمره الـ100 عام يعيش استاذ الفن والزخرفة العربية وسيم صفاوي حيث القطع القديمة تنتشر، والخوابي والفوانيس وكراسي القش، ويعد من ابرز معالم البلدة داخله يعمل صفاوي على انجاز موسوعة تاريخية وتراثية عن جباع الحلاوة ، يؤكد ان "جباع كانت من اهم القرى العلمية والفقهية، ومنها انتشر التشيع في ايران عبر العالم الشهيد بهاء الدين العاملي الجبعي المدفون هناك وله مقام"، وحسب صفاوي فان "الجبعي اشتهر بالفلك والرياضيات والفيزياء والفقه وقد عين وزيرا للشاه عباس الصفوي" .

إشتهرت جباع بالفقهاء العاملين أمثال الشهيد الثاني، السيد محمد بن علي الموسوي الجبعي وغيرهما كما يوجد داخلها مقام النبي صافيناه أو "صافي" الذي يقع في اعالي جبل جباع وحسب صفاوي فإن " النبي عيسى وامه مريم زارا صخرة المرحمة قرب المقام في طريقهما الى الشام".

ولا تفوت صفاوي الاشارة الى أن "العلماء الجباعيين لا مقامات لهم في البلدة والتي كانت لتستقطب الزوار وتخلق حالة سياحية مغايرة". ما يعيق الحراك السياحي الذي يبدو خجولا بالنظر الى مواقعها الاثرية والتراثية، والتي يأتي في مقدمتها الحمام التركي ذو القبة الحجرية، الذي يقع قرب السوق التجاري ويتميز بهندسته العثمانية والاسلامية، "يفوق عمره الـ130 عاما شيده نزار باشا لزوجته حفيظة رستم التي نظمت الكثير من المقاطع الشعرية الغزلية بحق البلدة"وفق صفاوي الذي يقول ان "الحمام كان للسيدات وبعد وفاة حفيظة خنقا بالدخان تحول للرجال وابان الاحتلال الفرنسي نهبت خلقينته ثم اقفل وبعدها تحول الى سوق للماشية ومركز للكهرباء قبل ان يعود الى سابق مجده بعد ان تم ترميمه".

رنا جوني - البلد 

الجمعة 26 حزيران

Script executed in 0.17046189308167