أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

مسحراتي النبطية: رسائل لا تموت

الخميس 02 تموز , 2015 06:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,752 زائر

مسحراتي النبطية: رسائل لا تموت

تغيرت معادلة الزمن، انقسم الناس بين المُحافظ على موروثات الشهر الفضيل، وبين حديث "الفسابكة" وبين الاثنين ضاعت شخصية المسحر وضاع كل موروث رمضاني عتيق وما بقي لا يغدو كونه صورة في الذاكرة.

يتحدى التطور والحداثة

وحده العم محمد بٍريش ابن السبعين ربيعا يتحدى التطور، ما زال مواظبا على شخصية المسحراتي في مدينة النبطية. تجاعيد العمر لم تمنعه من مزاولة دوره. يقول: "أغتنم الشهر لأقوم بواحد من ابرز الشعائر الاسلامية التي يفترض ان تستمر، فالمسحراتي وجد لهذا الشهر ويفترض حمايته كما ان كل الدول تحمي ارث رمضانها فيما نحن نريد للحداثة ان تسرقنا، لن اسمح طالما في داخلي روح".

منذ صغره أحب تلك الشخصية، كان يسير خلف المسحر مع اطفال حارته، آمن ان "المسحراتي جزء من الشهر الفضيل، ولا يجب ان تموت، او تندثر".

سيارة وصورة وطبل

لم يمنعه عمره عن القيام بدور احب تجسيده،  ولو عبر سيارة رينو قديمة العهد،  الصق عليها صورته وذيلها بمسحراتي النبطية، يجول في احيائها، ينادي بأعلى صوته "يا نايم وحد الدايم"، مطلقا العنان لطبله، يخبر اهالي الحي بقدومه، يعتبر بريش ان"ما يقوم به فعل خير واجر،  اضف الى انه يعلمك معنى التضحية والعطاء، لا يجب ان تطفئ كل شعلة الشهر القديمة".

ما ان تصل الساعة الواحدة حتى يتأهب بريش، يرتدي عباءته وطربوشه، ويدير محرك سيارته ويبدأ بقرع الطبل مطلقا العنان لصوته ينادي "يا مؤمنين بالله على نور النبي صلَوا، لولا النبي ما انبنى جامع ولا صلَوا"، متحديا "عصرنة الشهر"، محاولا بسط قانون جديد "المسحر تراث، والواتساب متطفل على حياتنا وطقوسنا، يسرق منا كل شيء بإرادتنا".

حامي المسحراتي

يُعتبر بريش الوحيد الذي يقوم بهذا الدور، يأخذ الامر على عاتقه "هناك من يدعمني في نهاية الشهر كعيدية، ما أقوم به هو جزء من روحي، أريد أن أحمي تراثنا القديم"، حين يتحدث عن شخصيته الرمضانية، يبدو كمن ينسج حوارا بين واقع نسي المسحراتي، وأخر يرسخ عقيدة ثقافة رمضان.

 

ينادي بالأسماء على أصحاب المنازل، يوقف سيارته عند مدخل  كل حي،  ثم يتنقل سيرا على الاقدام، مرددا "يا صايم قوم صلي عالنبي"، مواقف محرجة وطريفة تعرض لها، يحفظها في مخزون ذاكرته، لعل ابرزها حين عاتبه احدهم لانه لم يوقظه على السحور، وآخر رمى الزيت على السيارة لأنني نسيت إسمه".  يدرك بريش أن "الزمن تبدل، والصغار فارقوا عادة الركض خلفي، والناس تتكل على الواتساب"، لكنه يؤكد "أن تلك الشخصية يجب أن لا تموت لأنها زهرة شهر رمضان المبارك".

سيرا على الأقدام

تعد شخصية المسحراتي من أهم موروثات شهر رمضان، في تسعينيات القرن الماضي كان بريش يجول في الأحياء متنقلا على قدميه، يسير خلفه الاطفال، وينادي بأعلى صوته على الأهالي بأسمائهم، يقول "كانت النبطية ثلاثة أحياء، "السراي، البياض والراهبات، اليوم تمددت لم يعد بالإمكان السير على الاقدام لذا أستعين بالسيارة"، مردفا "لم يكن في الماضي قد دخل التطور على حياتنا، كل الاهالي كانوا ينتظرون قدومي، كنّا ثلاثة مسحراتيين، اليوم غاب أغلبهم ومن بقي يعاند الظروف ليكمل مشواره".

 لا يتوانى لحظة عن القول ان "كثرا يعتبرون حضوري رقما اضافيا، بل لا داعي من تجوالي في الاحياء، يظنون ان المنبه او الواتساب سيحل مكاني، لا يدركون ان العصر وتقدمه لا يمكن ان يلغي قيما وعادات متوارثة، لن اترك شخصية المسحراتي الا حين اموت"، لأنها "علّمتني كيف أحمي تراثنا العتيق" .

يرفض موت المسحراتي

في زمن الاحتلال الاسرائيلي، لم يتخل بريش عن دوره إلا في ذروة القصف. في منزله يتلقى التشجيع من عائلته، يعلق ضاحكا "ينتظرون عبوري من تحت المنزل لأنادي عليهم بالاسماء". مجهود فردي يقوم به، محاولا إسقاط ورقة التغير الذي غيّرت كل ثقافة الشهر، يقول "أفتخر أنني مسحراتي، لأن ترسيخ الشخصية في ذهينة جيل اليوم يتطلب حضورها وإلا فإن تجاهلناها سنطمس كل تاريخ رمضان".

جولته على احياء النبطية الواسعة تنتهي عند الفران الذي يقدم له منقوشة، والحلونجي الذي يقدم له حلوى السحور والقهوجي مع فنجان قهوة.

رنا جوني - موقع مختار 

Script executed in 0.19117093086243