أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

خضر نصرالله «الطبيب» الأشطر في عالم المفاتيح

الإثنين 06 تموز , 2015 08:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 9,986 زائر

خضر نصرالله «الطبيب» الأشطر في عالم المفاتيح

في بلدة قانا الجنوبية يعمل خضر نصرالله، في محله منذ العام 1999. هو الذي تعلّم صب المفاتيح، طوَر عمله، فنجح. ليس في عمل صب المفاتيح مسألة خاصة، بل كانت لقصة نجاح بدأت أولاً في تغيير نظرة رافقته طيلة سنوات "بدّه يشتغل وهو ضرير"، ولكنّها كانت كلمات مشجعة حملته ليخوض غمار تجربة عمل قاسية وخطرة، يتحدى الشفرات الحادة ليؤكد ان "لا شيء عصيا عليه، بتاتا". 

تحديات العمل 

حين تراقبه يعمل بين تلك القطع الحديدية الصغيرة، التي تتحول تارة الى مفتاح منزل، وطورا الى سيارة بأنواعها المتعددة، او تتأمله يعمل على نزع مفتاح عالق بين اسنان غال السيارة، فيزيله بطريقة النفخ بالبالون. حينما تتأمل عمله يتراءى لك مبدعا، سخر اعاقته لخدمة "حلم" رسمه، وسار على دربه، "ما اقوم به صعبٌ وخطر، فقد كدت افقد اصابعي أكثر من مرة لكني ادرك ان تحدي العمل بالشفرة يقطع الحلم او يكمله". 

الظروف القاسية دفعته ليلتحق بعمل شاق، "لا يوجد عمل لذوي الاعاقات في لبنان، دوما هم من يبتكرون اعمالهم وينطلقون في رسم سيناريو التحدي، الدولة تعتبرنا مجرد ارقام، لا تقدم خدماتها لنا، لذا وجب ان نبني مستقبلنا لا نرهنه بخيارات عابرة لكلام مسؤولي الوطن"، يبدو نصرالله محللا لواقعه المرير". علمتني المفاتيح كيف افتح ابواب حياتي، فلا انتظر من يقدم لي مساعدة، بل اطحش في المواجه" يقولها بابتسامة لا تفارقه. 

مستوصف المفاتيح 

يُعتبر "مستوصف المفاتيح" الذي يشغله نصرالله واحدا من اهم المستوصفات التي تقدم خدماتها بشكل موثوق ومضمون، وفق تأكيد نصرالله الذي تحول "الطبيب" الأشطر في علاج المفاتيح ، لا يشبه اطباء يشغل بالهم التجارة والربح السريع. إستطاع ان يكون رقما صعبا في عالم صب المفاتيح، بات مقصد كل انسان عجز كثر عن علاج مفتاحه او غاله او حتى خزنته. بين تلك المفاتيح المرصوصة بشكل متقن، مذيلة برموز لا يفقهها الا هو، ولد اكبر حلم عند الرجل الاربعيني، الذي لم يكتف ان يكون صبَاب مفاتيح فحسب، بل تعلم فك شيفرات الخَزنات، صب مفاتيح السيارات الحديثة عبر آلة متطورة، نجار خشب وحديد، اي انه يحاول ان يقدم نموذجا يحتذى به في مجتمع لم يرتق بعد الى مصاف التعلم من ذوي الحاجات الخاصة، بل يضعهم في امتحانات متتالية ."تحدوني وراهنوا على فشلي، فكان تألقي في عملي وانا الكفيف، اثبت نجاحي وفشل رهانهم". يقول نصرالله. 

قدرات عملية 

حين تسأله هل آمن الجميع بقدراتك العملية؟، يصمت ثم يقول "عملي فرض تغيير النظرة، حين قصدني مواطن يريد نزع مفتاح من غال سيارته الحديثة، بعد ان قصد عشرات معلمي صب المفاتيح، اول كلمة قالها: البصير ما نجح انت بدك تنجح بالمهمة، حينها زاد اصراري ان اخرج له المفتاح بأسرع وقت وما ان رأى النتيجة حتى تبدلت ملامحه".

يروي سلسلة قصص عاشها "حين تعرضت لموقف محرج من احد اصحاب الشاحنات الذي قال لي ضرير وبدو ينزع المفتاح المكسور من الغال"، او لجهة "صب مفتاح لكف سيارة حديثة، الا انه حين ينظرون للنتيجة يصعقون، لا يعقل ان تحكم على امر دون ان تراه" تلك الخلاصة التي يقدمها لكل زبون يشكك به.

تعلم نصر الله ان لا شيء مستحيلا مع الارادة، وتوصل الى نتيجة مفادها "طور نفسك بنفسك فلا احد يقدم لك خدمات مجانية"، واكثر ما يشد انتباهك في مستوصفه طريق عرضه للمفاتيح التي قسمها حسب نوعها وذيل كل قسم بعبارات ورموز تساعده في فك شيفرتها. 

مواقف طريفة 

مواقف طريفة وحزينة تعرض لها، لعل ابرزها حين قصدته قوات الطوارئ لفتح خزنة عجز كثر عن فتحها، "حين نجحت بالمهمة ضحك الظابط وقال "مش معقول نجحت بمهمة كبار العاملين في هذا المجال فشلوا به، حقا تستحق التقدير".

ولا ينسى يوما نجا بأعجوبة من الموت حين كاد ان يسقط من الجبل بعد انجاز مهمة نزع مفتاح مكسور من احدى الشاحنات، ويروي "كيف قطع خاتم علق باصبع احدهم وورم كاد ان يبتره الطبيب الا انني نجحت في مهمة عجز عنها الطبيب "بثقة يقول كلماته وهو الذي تحول الى شخصية المفاتيح الاولى كما يقول. 

تغلب على كل المخاطر المحدقة في عمله، تعالى على الإهانات التي صاحبته، قدم نموذجا على الإبداع، تجده يقول "كبار المبدعين في العالم هم من ذوي الحاجات الخاصة، أما في لبنان فحقهم مهدور بين سياسي اعمى بطروحاته ومواقفه، ومواطن لا يملك الا الشك بالآخر، وحدها اعمالك تشق لك طريقك". 

فك شيفرة 

ساعات يمضيها في مستوصفه، يعمل في نزع مفتاح علق في الغال، أو صب مفتاح كف حديث، او يتابع التكنولجيا الحديثة التي "بات صديقا معها لخدمة عمله" وفق تأكيده.

يبحث من خلال عمله على نافذة يطل بها على مجتمع متهالك بأزماته" ، يقول "لو يفكرون بالاتجاه الصحيح لما وقعنا في تلك الازمات، حل مشاكلنا يحتاج الى مفتاح وغال ورغبة في فك شيفرة اي مشكلة، لكننا نرفض".

يتحدث بثقة وهو الذي تغلب على كل معاناته لأجل أن يؤمن مستقبلا لاولاده ويؤسس لهم منظومة اقتصادية مريحة، يرمي بكلماته جانبا ويتذكر فكاهة حدثت معه "كثر شككوا ان أكون ضريرا لسرعة عملي وحنكتي وبراعتي لولا نظاراتي السوداء"، مردفا "أدخلت التقنيات الحديثة في عملي، لأني لا أريد ان أبقى مكاني، أن أنتظر وطنا يحضنني"، بأسف يقول "وطني ينظر لذوي الحاجات الخاصة على انهم عالة، رغم أنهم يؤكدون يوما بعد آخر انهم صُنًاع التغيير، يملكون عزيمة تضاهي عزيمة شاب محبط يفقد الامل عند اول صدمة، فيما صدماتي علمتني ان اكون قويا".

نجح ابن الاربعين ربيعا في فرض معادلته وتغيير نظرة الناس له، وبات الطبيب الاشطر في علاج شتى انواع الحالات الطارئة، واضعا ثلاثيته الشهيرة "البصيرة اقوى من البصر، والعزيمة تغير المصير والإرادة تصنع مستقبلا" ثلاثية لو تمسك بها صنّاع القرار في لبنان لما كان لبنان تحول الى وطن عاجز عن إتخاذ قراره.

رنا جوني

البلد

Script executed in 0.1872718334198