عدسة الميدان
أمام تلك الصور يجلس يتذكر، يستعيد اللحظات. كان حينها مدير مكتب جريدة الاخبار في الجنوب. "حملت عدستي ومشيت في القرى، اُدرك جيداً أن ما صورته تاريخٌ يوثق حرباً ضروساً عاشها الجنوب. الدمار وملحقاته لا مثيل له، كانت الحرب تضرب على وتر محو ذاكرة الجنوب والمقاومة، كانت تركز في مجازرها على قتل الاطفال والنساء، عصب المقاومة والنضال، كانت تريد استعادة صورة الحرب وإن بوقت محدد"، يرمي جابر كلماته على صورة مجزرة كفرجوز.
يروي مشاهداته لها "كان رب الاسرة جالسا على الكنبة يشاهد التلفاز يشاهد مجزرة في صور، لم يدرك أنه سيكون الخبر التالي" مردفا، "قصدها هرباً من كفرتبنيت لكنه قتل فيها".
ما سر الحرب؟
يبحث جابر عن سبب بين صوره ليبرر الحرب، يقول "هل الاطفال سلاح المقاومة، أم النساء والمنازل؟، لم أجد سبباً مقنعاً سوى تعبير عن ضعف يعتري العدو".
يستعيد جابر صور الحرب التي شارك فيها في معرضٍ في الكويت، يقف عند صورة شيرين الشابة التي نجت من مجزرة النبطية، تلك الشابة "انقذها صوت صلاتها ومناجتها، أهلها استشهدوا في الغارة الثانية على المنزل وهي حمتها الكرسي وانقذتها، وجدها المسعفون تحت الكرسي بعدما سمعوا صوت صلاتها".
ابعاد حرب تموز
في صور جابر ترتسم أبعاد حرب تموز وفصولها، ذات العناوين الاجرامية. في صوره تجد القهوجي والمسعف والصحافي الذي ناضل بعدسته في مواجهة صاروخ اسرائيل. يتوقف جابر عند دور الاعلام في الحرب، "كنا نقاتل باللحم الحي، نحمل حياتنا ونمشي، لنلتقط الصورة المعبرة، الحرب صورة وعبرة" دمعته تخبر حجم المعاناة التي عايشها الإعلاميون.
اعلاميون على خط النار
يتذكر الزعتري "كان يتحضر لالتقاط مشهد مجزرة وإذ بالغارة تسقط فينجو في حين كان كثر من الاعلاميون يصطادون المشهد من بيروت وعبر الهاتف ويحتلون الشاشات بأخبار خاطئة وبقينا نحن خارج الكادر" يضرب مثلاً "أحد صحافيي صيدا يخرج بإتصال مباشر يقول إنه على الحدود فيما هو في مكتبه في صيدا، بينما الإعلامي المرابض على الحدود يقاتل بعدسته وضميره المهني. للأسف الإعلام في الحرب يتحول تجارة مربحة، يصبح الهوية الاخرى للحرب، هناك العديد من القصص التي لم يلتقطها الإعلام".
اصطياد الخبر بالصور
في جعبة جابر عشرات القصص التي اصطادتها كاميرته. يتوقف عند "مسني بلدة الطيبة الذين اجتازوا جسر القاقعية بمساعدة المسعفين الذين حملوهم على الاكف واجتازوا بهم عشرات الامتار حتى وصلوا إلى سيارات الإسعاف، هؤلاء المسنون ذنبهن أنهم صمدوا في الطيبة فحُرموا من الأكل والشرب لأيام، إلى أن وقعت الهدنة، كانت وجوههم تعبر عن غضب وأمل وحيرة وأكثر"، يقول جابر. "الحرب لم تترك شيئاً إلا وطالته. سرقت الشباب الصامد في كفرتبنيت. لا زالت صورة الشاب راسخة في ذاكرتي، كان بصحبة جدته، ظنَ انه بأمان وإذ به كان الضحية، كانت الطائرات تصطاد الأهالي بشكل عبثي، تحاول أن تسرق الجنوب من اهله، حتى الحقول سرقوها بالقنابل العنقودية".
يحاول جابر أن يقيم جسر عبور بين زمن الحرب وزمن الذكرى التاسعة لها، يربط الاحداث ويفصلها، يلعب على وتر صورة تحكي قصة الطفل الجريح، يتوقف عند صورة الحاجة التي وقفت عند جسر حبوش المعلق "كانت تدعو لرحمة الله، صوتها الضعيف كان يحمد الله لأنه أنقذ عائلتها".
مغامرة اعلامي
قوة صور جابر ان يعرف كيف ومتى وأين يلتقط المشهد "غامرت في الحرب، نجوت اكثر من مرة، الحرب إن لم تغامر فيها، لايمكنك أن تحصد المشهد الناطق بالحقيقة".
حكايا الامل والحياة
لا تخلو صور جابر من حكاية الأمل التي تجدها مع طفل يمارس لعبة الشطرنج، والقهوجي ورائحة قهوته في السوق التي تقتل رائحة المجازر، تضج ذاكرته المصورة بمئات الحكايا. لعل القصة التي أوجعته خسارة صديقه "مات في القصف على كفررمان حين كان يمارس عمله في الحلاقة. كان قبل يوم يخبرني ان الحرب شارفت على نهايتها، ستعود الحياة الى طبيعتها، لم يدرك انه سيكون شهيدا في اليوم التالي".
حقيقة الحرب
وحدها صور جابر تضج بحقيقة الحرب، ووحدها ايضا تخبر معاناة الاهالي وهم يبحثون عن الخبز والأكل بين الدمار، ومما لا شك فيه أن ارشيف جابر يعد موسوعة عن الحرب، ونحن في عصر الصورة، لأنها حقيقة، هي الواقع كما هو، جابر الذي حفظ الحرب في صوره، يحاول أن يحفظ زمن العودة وأخبارها ويقول "الإعلام سلاح ذو حدين، وهو صورة الحرب ولكنه تبدل في الآونة الاخيرة، وحدها الصورة لا تزوّر الحقيقة".