أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

نبض القدس في وجدان الأمة: لقاء علمائي في وادي الحجير

الإثنين 13 تموز , 2015 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,568 زائر

نبض القدس في وجدان الأمة: لقاء علمائي في وادي الحجير

بمشاركة رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المقاومة الشيخ ماهر حمود، رئيس أساقفة صور وتوابعها للطائفة المارونية المطران شكر الله نبيل الحاج ممثلاً بالأب جان يونس،‏ قاضي المذهب الدرزي الشيخ نزيه أبو إبراهيم، مفتي صور ومنطقتها الشيخ حسن عبد الله ممثلاً بالمسؤول الثقافي لإقليم جبل عامل في حركة أمل الشيخ ربيع قبيسي، كما حضر اللقاء حشد من علماء الدين من مختلف الطوائف الدينية اللبنانية والفلسطينية.

افتتح اللقاء بتلاوة آيات بينات من القرآن الكريم، ثم كانت كلمة ترحيبية لمسؤول القسم الثقافي في حزب الله الشيخ علي زين الدين الذي أكد أن المقاومة هي العمود الفقري للأمة، وهي التي ترفع الهامات والقامات، وأن البوصلة كانت وما زالت فلسطين والمسجد الأقصى، مشيراً إلى أننا نجتمع اليوم في هذا المكان التاريخي الذي أطلقت منه مواقف الرجال الرجال، وقد ترجمت بنصر إلهي غيّر المعادلة، وفرض قواعد جديدة، وأطاح بحلم المتآمرين في الداخل والخارج، وشدّ أنظارنا باتجاه القدس، التي يأبى شرفها أن يتحرر إلاّ على أيدي المؤمنين الشرفاء.

بدوره الأب جان يونس ألقى كلمة باسم المطران نبيل الحاج حيث لفت إلى أن الوقائع التاريخية تشهد أن مدينة القدس كانت في ظل الدولة العربية الإسلامية مدينة مفتوحة لكل أبناء الديانات السماوية لممارسة نشاطاتهم الدينية والدنيوية كلها، حتى أن المسلمين تشرفوا بخدمة الأماكن المقدسة لدى الديانات السماوية كافة، وحافظوا عليها وقدّموا التضحيات لحمايتها، بينما هي اليوم ومع الاحتلال الإسرائيلي يتعرض فيها المسيحيون على مرّ سبعة عقود لمثل ما يتعرض له إخوانهم المسلمون، لشتى أنواع الظلم والتشريد والدمار ومصادرة الأراضي والممتلكات، فهاجر منهم الكثيرون إلى مشارق الأرض ومغاربها، فأصبح الوجود المسيحي في القدس ضعيفا جداً ومهدداً، ويكفي أن نذكّر أن المسيحيين العرب لا يتجاوز عددهم الآن في القدس 11 ألف نسمة من عدد السكان القاطيين في المدينة، بينما كان عددهم في العام 1944 ميلادي 39350 نسمة.

‏وأضاف الأب يونس أن كل ذلك يذكّر بالخطر الأكيد نتيجة الازدياد المتنامي للصهاينة في القدس بشكل خاص وفي فلسطين بشكل عام، الأمر الذي يتطلب وقفة عربية واحدة وفاعلة وقادرة على تحريك المجتمع الدولي للضغط على المحتل لوقف ممارساته التعسفية في الأراضي الفلسطينية، ووقف الاستيطان ومنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة في إقامة دولتهم المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني.

وشدد الأب يونس على أننا كمسيحيين ومسلمين بحاجة إلى أن نعيش معركة النضال المشترك ضد العدوان الصهيوني الغادر على القدس ومقدساتها، وعلى فلسطين وأهلها، وعلى المسيحية وكنيستها، وعلى الإسلام والقرآن، وما أحوجنا إلى أن نُقوّي جبهتنا، فلنا من تاريخنا العريق‏ ومن اتحادنا وتعاوننا كمسيحيين ومسلمين في خدمة أمتنا وعروبتنا ما يحتّم علينا أن نحافظ على عرى الأخوة والتعاون لإنقاذ أمتنا العربية مما وردطها به الاستعمار والصهاينة والتكفريين.

بدوره‏ أمين عام الاتحاد العالمي الشيخ ماهر حمود أكد أنه بالثبات وبالوضوح وبالصدق وبالتوازي وبالتكامل بين الشعار السياسي والعمل الجهادي والسياسي اليومي تكون الشعارات ليست للإستهلاك المحلي أو لذر الرماد في العيون، أو لاكتساب عطف أو لتسول على أبواب الدول أو الشعوب، بل تكون شعارات للعمل، وشعارات من أجل أن تنتج أجيالاً تؤمن بهذا الكلام وتسعى له، وتبذل الغالي والنفيس على هذا الطريق الذي لن يتوقف مهما كانت المؤامرات كثيرة على المقاومة، ومهما كان الحصار شديداً على غزة، ومهما كانت الأكاذيب والأباطيل تلاحق المقاومة وفكرها ونهجها في لبنان وحيثما حلّت، مشيراً إلى أننا منذ أن عاهدنا المقاومة في أيام انطلاقتها الأولى لم نرَ أنها وقفت في الموقف الخطأ أو ذهبت إلى المكان الخطأ أو أهدرت دماً في المكان الخطأ أو قالت الكلام الخطأ، فهذه المقاومة التي حيث ما وجدت إنما كانت قبلتها القدس وطريقها فلسطين، وأما الذين ينبحون عليها، فإننا نقول لهم إن القافلة تسير ولن يهمّ المقاومة بشيء، فهي بثباتها وبتجربتها الرائدة وباليقين الذي لمسناه قد أعطت تجربة يلمسها من يريد أن يلمس بيديه، ويراها من يريد أن يرى بعينيه، لافتاً إلى أن أعداء المقاومة لم يعطونا إلاّ تحاليل سياسية مبنية على الأوهام أو متسربة من السفارات ومن مراكز التجسس الأجنبية، أو من أماكن التخلّف البترولي العربي، فهم لا يرتكزون إلاّ على الأوهام والأكاذيب والأساطير، وليقولوا ما يقولون، وليفعلوا ما يريدون، فقبلتنا وطريقنا واضح، ويوم القدس الذي ارتبط بأقدس أيام السنة صياماً وقياماً سيبقى مرتبطاً بأقدس القضايا وهي قضية القدس، وبأقدس القلوب التي عمرت بحب الله والشهادة، وبحب أولياء الله حتى يرضى الله عنها. 

ومن ثم ألقى ‏قاضي المذهب الدرزي نزيه أبو إبراهيم كلمة قال فيها إننا في هذه المناسبة وفي يوم القدس نؤكد مجدداً  على موقف المسلمين الموحدين في لبنان وسوريا وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة الذي يعبّر عنه قادتنا السياسيين والروحيين المتمثلين بشيخ العقل الشيخ نصر الدين الغريب، وعطوفة الأمير طلال إرسلان، ومشايخ العقل في سوريا، وأبناء جبل العرب الأشم، مشدداً على أن قضيتنا الأساسية ستبقى فلسطين، وعدونا الأوحد هو إسرائيل وجميع أدواتها المتمثلة اليوم بداعش والنصرة وكل القوى التكفيرية، ونحن سنقف صفاً واحداً مع الجيش العربي السوري والمقاومة للدفاع عن أرضنا وعرضنا، مشيراً إلى أن دفاعنا هذا ليس دفاعاً عن منطقة أو طائفة، وإنما عن كل التراب السوري وعن وحدتها وعن فلسطين، لأن سوريا ستبقى الركن الأساس في الدفاع عن فلسطين، وهذا نهج أجدادنا، فكما بالأمس البعيد هزم المشروع الفرنسي على يد الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش، هذا المشروع الذي كان يهدف إلى تفتيت سوريا ولبنان إلى دويلات مذهبية، وكما هزمنا المشروع الإسرائيلي في العام 1982 بالتلاحم مع الجيش العربي السوري وجميع القوى الوطنية، فإن المشروع الإسرائيلي الجديد في سوريا سيهزم أيضاً بقبضات أهلنا والجيش العربي السوري والمقاومة.

وتوجه القاضي إبراهيم بالشكر إلى الشعب الإيراني وخياراته الحكيمة على نصرتها لقضايانا وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ومواجهتها جميع الضغوطات والحصار الاقتصادي الجاحد من أجل التخلي عن دعمها للمستضعفين.

وختام الكلمات كانت مع رئيس المجلس السياسي في حزب الله السيد إبراهيم أمين السيد حيث شدد على أن واحدة من عظمة الإمام الخميني هي أنه كان مع فلسطين والقدس، وأن واحدة من عظمة ثورته هي أنها كانت مع فلسطين والقدس، وأن واحدة من عظمة دولته حتى الآن إلى هذه اللحظة وإلى المستقبل هي أنها مع القدس وفلسطين، معتبراً أن كثيراً من ولاة الأمر سقطت ولايتهم في فلسطين والقدس، وأن كثيراً من أمراء المؤمنين سقطت إمارتهم في فلسطين والقدس، وأن كثيراً من الثورات التي حصلت في الماضي القريب سقطت في فلسطين والقدس، فأي دولة لا تأخذ في أسسها الفكرية والسياسية وأهدافها واستراتيجيتها فلسطين والقدس هي دولة من عالم غربي آخر، لأن الأميركيين والغرب يشترطون علينا أنه إذا أرادوا لنا أن نكون أحراراً أو أن يكون لنا ديمقراطية بأن نتخلى عن القدس وفلسطين، وهذا شرطهم الأساسي، ولذلك أقول للأميركيين والغرب لقد سقطت ديمقراطيتكم وحريتكم وقيمكم وأخلاقكم وشعاراتكم عن الحرية وحقوق الإنسان في فلسطين، فأية حرية أو ديمقراطية ليست جزء من حرية الشعب الفلسطيني، أو تتضمن تحرير القدس وفلسطين فهي حرية وديمقراطية أميركية.

ولفت السيد إبراهيم السيد إلى أن أفضل ما أنجز في العصر الحديث في العالم الإسلامي على صعيد الحرية والديمقراطية والإستقلال  والكرامة هي الجمهورية والثورة الإسلامية في إيران، فأميركا التي تدعي الديمقراطية إضافة إلى دول الغرب قد حاربت الديمقراطية والحرية في إيران على مدى 36 سنة، وأكثر من ذلك فإنها اعتبرت أن الدول التي يوجد فيها حرية وديمقراطية بمعزل عن الكيان الصهيوني هي دول الشر بالنسبة إليها، مشدداً على أن دعوة أميركا وحلفائها في المنطقة لإسقاط سوريا من أجل الحرية والديمقراطية هي دعوة كاذبة خادعة، لأنهم لو كانوا مع الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان لكانوا مع الشعب الفلسطيني ومع فلسطين والقدس، وهذا هو المعيار الأساسي.

وفي مقارنة بين إيران والسعودية نسبة لما قدموه لفلسطين وللحركات المستضعفة والمقاومة، أشار إلى أن إيران كانت ضد أميركا وأسقطت الشاه، وأنشأت دولة بإرادتها وحريتها واستقلالها، ووقفت مع فلسطين والقدس، ودعمت حركات التحرر، وأنشات حركة المستضعفين، ودعت إلى مشروع وحدة المستضعفين والمسلمين، وأيّدت حركة التحرّر العربي الذي حصل بغض النظر عما حدث لاحقاً، وكانت دائماً مع الشعب الفلسطيني بكل محنه وحروبه، ودفعت الأموال والسلاح من أجل هذا الشعب، وبالمقابل فإننا نسأل عما قدمته السعودية ليس من باب أننا ضدها اليوم، فهي ماذا قدمت للشعب الفلسطيني، وما هو موقفها من هذا الشعب ومن المقاومة والثورة الفلسطينية، وما هو موقفها من الحرب الصهيونية ضد غزة، وما هو موقفها من حركات التحرر العربي، ومن المقاومة في لبنان، ومن المقاومات في هذا العالم، وكذلك نسأل أنه إذا أرادت شعوب هذه الأمة أن تأخذ تطلعاتها معها وتذهب إلى أي مكان غير إيران، فإلى أية دولة تذهب، معتبراً أن تضليل الأمة بهذا الشكل وأخذ هذا الجيل بالفتنة المذهبية وتأجيج الحقد ونبش التاريخ إنما هو بهدف أن يمنعه من أن يعيش ويرى الأمل والضوء في آخر هذا النفق سواء كان ضوء تحرير القدس وفلسطين أو كان ضوء الكرامة والعزة والإستقلال والحرية في منطقتنا وعالمنا، بل يعتبرون أن ذلك هو عيب وحرام وخسارة كبرى، مضيفاً أنه وبالرغم من شن حرب على إيران على مدى 36 سنة، فنحن نتحدى أن يكون أحد من الذين كان لهم علاقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد سمع طيلة هذه السنوات كلمة واحدة من أحد المسؤولين في إيران يقول فيها لا تذهبوا إلى السعودية، أو أن لا تبنوا أي علاقة معها، ولكن في المقابل فإن كل الذين يتصلون بالسعودية اليوم عليهم أن يكونوا على مشكلة مع إيران، بل إننا بتنا في زمن ينبغي على من يريد أن يتقرب من السعودية أن يسب ويشتم إيران.

وشدد السيد إبراهيم السيد على أنه في الوقت الذي يجب علينا نحن في لبنان أن لا نستهين بدورنا وبقيمتنا وبالانجازات التي حققناها، والتي يمكن أن تتحقق بالمستقبل بالرغم من كل الظروف الصعبة الموجودة، فإن هناك أمران يجب تحقيقهما: فالأول يكمن في العمل من أجل إستعادة المشروع الإسلامي الصحيح على الصعيد الفكري والثقافي والديني والسياسي أي المشروع الإسلامي بالمعنى السياسي وهو القدس وفلسطين، بينما الثاني يكمن في العمل على استعادة مشروع تحرير فلسطين والقدس، وهذا الكلام موجه للفلسطينيين أولاً، ومع الأسف فلا يعتب علينا أحد، فنحن لا نستطيع أن نكون مع أحد في فلسطين، ولا يستطيع أحد فيها أن يفرض علينا أن نكون معه إذا لم يكن هو مع فلسطين والقدس.

وفي الختام أقيمت صلاة جماعة بإمامة الشيخ محسن عطوي، قبل أن تقام مأدبة إفطار رمضاني على شرف العلماء المشاركين.


Script executed in 0.21370983123779