قبل يوم، اغتسلت القبور غُسل العيد، استعداداً لمباركات الأهالي. فجرياً على العادة المتوارثة، توجه بالبنت - جبيليون إلى جبانات البلدة لغسل أضرحة الموتى و تنظيفها. إذ أن العيد يوجب العناية بالأموات كما الأحياء.
و مع أنفاس الصباح الأولى ليوم الجمعة، قصد الأهالي الجبانات مجدداً لمعايدة ذويهم السابقون سوراً قرآنية و دموع مشتاقة.
تنوعت المشاهد، و على التل تسير طفلتان برفقة أمهما، و قد ألبستهما حلّة العيد، تحملان أكاليل الورود، و تتجهان لمعادية جدهما الذي لم يروه يوماً.
تتوحد تمتمات الناس الذين يهدون فواتحهم لمن يفتقدون، و الهدوء السائد لا يكسر رتابته سوى معايدات الأقارب و المعارف لبعضهم البعض و قبلاتهم.
و في الجهة المقابلة، تركض إحداهن بلهفة تقصد قبر والدها، و هي الزائرة من بلاد الغربة، ثم تسأل عن قبر أحد الشهداء، و قد سمعت رواية استشهاده في غربتها.
"يا زلمة بعدك حافظ الطريق! مش إلك هالمشوار"، يقول أحدهم ممازحاً قريبه الذي لا يزور القبور إلا في العيد. و العيد فرصة التلاقي و هدم جدارات القطيعة.
و عاد الوافدون أدراجهم تدريجياً، مع تعالي أصوات تكبيرات العيد في المساجد. بعدها بوشرت الجمعات العائلية، باب رزق الصغار "للعيديّة". والعيد الجمعة أو السبت، لا فرق، فمن شأن ذلك أن يدّب الحياة بين قبور الأموات في كلا اليومين.
كل عام و أنتم و أمواتنا و أمواتكم في سلام و خير
داليا بوصي