وهكذا بأقل من يومين تحولّت الشوارع الى مكبات عامة، شكلت معها الروائح المنبعثة عطراً ملوثاً بالجراثيم، فتحول المواطن مرة جديدة كبش محرقة الزعماء وخلافاتهم.
مع غياب الحلول الناجعة، بقيت ازمة النفايات حديث الناس ميدانياً وافتراضياً. كل يعبّر عن رأي ممتعض من واقع حال، على الرغم من انّ ذلك لم يُرافق بتحركات شعبوية على المستوى المطلوب.
توسيع المكب
قبل خمسة عشر يوما اقدمت الشركة المتعهدة جمع النفايات وقف عملية طمر النفايات في مكب الكفور، وصبيحة العيد اقدمت على ايقاف عملية جمعها من الطرقات بحجة وجود قرار قضائي يقضي باقفال المكب. ولكن منسق الاندية والجمعيات في النبطية وسيم بدر الدين، قال ان الحقيقة مختلفة كما يشير في حديث لـ"البلد"، معتبراً انّ أحد أصحاب الشركة يعمل على "توسيع المكب لاستقدام نفايات من خارج المدينة، رغم وجود قرار من وزير المالية بمنع الحفريات في تلك المنطقة لانها تابعة لخزينة الدولة".
رد الفعل جاء سريعا من الشركة ايقاف جمع النفايات من الطرقات، ما يعني ان "القصة ليس ازمة نفايات، بل قصة "قلوب مليانة" بحسب بدر الدين الذي يعتقد ان "الازمة في النبطية مفتعلة، ولم يمنع احد الشركة من جمع النفايات".
تسمم وبعوض
هكذا، تحولت النفايات ورقة ضغط رابحة في حسابات اسياد اللعبة، "يحركونها متى يشاؤون في الوقت الذي يرغبون به، ويتحكمون بمصير وحياة مواطن، ذنبه انه ولد ويعيش في بلد محكوم بالسياسة، ومكبل بأزمات تخنقه" يقول المواطن ابراهيم حسون. واليوم، ومن يدري غداً وبعد غد، وحدها النفايات المتكدسة على جوانب الطرقات تؤشر الى حجم الكارثة بشعابها الثلاث، البيئية، الصحية والسياسية. وبذلك طفت الى العلن أزمة انتشار الجراثيم بعد أن سُجلت حالات تسمم واسهال في قرى النبطية والجوار، فضلاً عن انتشار البعوض السام وفق ما يؤكد الصيدلي علي ملي في حديث لـ"البلد"، مشيراً الى انّ ذلك أدى بشكل لافت الى حساسية متقدمة اصابت عددا من الاهالي سيما في بلدتي الدوير والكفور حيث يقع المكب. وتُعتبر اثار الروائح مخيفة، ينجم عنها اوبئة وامراض لا تحمد عقباها، لذا يفترض ايجاد مخرج لتلك الازمة، فلا يعقل كل فترة تستعيد المدينة تظاهرة النفايات.
مكب الكفور
امام كومة النفايات في احد احياء النبطية وقفت زينب وابنها ذو السنوات الخمس تتأمل المشهد، لم تنس بعد اصابة ابنها بجرثومة قبل ايام نتيجة روائحها "هل يقبل زعماؤنا ان تتكدس النفايات امام منازلهم، حرام عليهم، حياتنا في خطر، وهم يتقاسمون الجبنة". لا يزال ابنها مريضاً، أفلا تكفي الازمات الاقتصادية المتتالية، "لكي يخنقونا بالنفايات".
وفي احدى الصيدليات ينتظر ابو محمد ليشتري دواء خاصا للحساسية "تحسست ابنتي جراء الروائح الكريهة، امّا ابني الاصغر فتعرض الى عقص بعوض سام"، برأيه "هل يحاربوننا اليوم بالنفايات، كلما أرادوا محاربة بعضهم بالسياسة، فيحركون ازمة النفايات التي تخلق الروائح الكريهة والامراض والجراثيم، الا يملكون حلا بين ايديهم؟".
حال آخرين ايضاً، الذين يعيشون ازمة نفايات في النبطية لا تقل اهمية عن ازمة مكب الكفور الذي يشكل خطرا بيئيا على المنطقة، ومعمل فرز ينتظر قرار موافقة مجلس الوزراء على المناقصات ليسلك طريقه النهائي نحو العمل.
غمرونا بالنفايات!
"شكرا لهم لانهم غمرونا بالنفايات" هذا ما كتبه احدهم على صفحته متسائلا: هل ازمة نفايات النبطية مرتبطة بأزمة بيروت ام هناك عقدة مخفية؟ يحاول بدر الدين الذي قام بجولة مع الاندية والجمعيات على نواب المنطقة ان يضع النقاط على الازمة، يدرك انها "ليست وليدة اللحظة" ويؤكد ان "هناك اجماعا على رفض استقبال نفايات جزين والغازية وتبنين ومرجعيون، وعلى توسعة المكب، طالما نملك حلا معمل بات جاهزا قدمته بلدية النبطية الى الاتحاد لحل معضلة حرب النفايات التي تشعل الشوارع بين الفينة والاخرى".
على مدى الايام الماضية كانت بلدية النبطية تسعى لحل الازمة الطارئة، تطرق الابواب الضاغطة على الشركة لاعادة جمع النفايات، "لا يعقل ان نترك النفايات في الشوارع" يقول رئيس البلدية الدكتور احمد كحيل، الذي يؤكد ان "الازمة حلت مرحليا، لا نعرف متى تنفجر من جديد، لذا نبحث عن حلول جذرية، اذ قد نستيقظ في اي وقت على مشاهد النفايات متكدسة".
كحيل الذي يعيد سبب الازمة الى "توقف الشركة في جمع النفايات بحجة لا مكان للطمر، بعد ا ن ضاق المكب ويحتاج لتوسعة، ورفض المحكمة السماح باعطاء اذن للامر" يؤكد ان "الشركة وبعد الضغط عليها، اعادت فتح المكب وباشرنا بجمع النفايات من الطرقات، لانه لا يعقل ان يتحمل المواطن وزر ازمة لا شأن له بها".
حرب الاكياس
عادت النفايات الى الواجهة، وعاد معها مشهد "حرب الاكياس المكدسة"، في مشهد لا يرتبط الا في لبنان، يتحرك كلما اراد الزعماء، وينطفئ متى يحصلون على مرادهم. بيد ان السؤال المنطقي: لم تحركت ازمة النبطية مع بيروت ،هل يراد تحويل مكب الكفور مطمرا جديدا لتدمير بيئة لبنان؟؟؟ تساؤل يرفضه المجتمع المدني لكن اجابته رهن القادم من الايام.
رنا جوني
البلد