منذ ذلك التاريخ، غابت عمليات الغطس في بحر صور بحثاً عن الاسفنج، بعدما أختفى أي أثر لهذا الكائن البحري، الذي يتغذى على الكائنات البحرية الدقيقة، وله أشكال غير منتظمة وأحجام يصل قطر بعضها الى حوالى المتر، وألوانه عديدة، منها الأبيض والأصفر والرمادي والبرتقالي والبني والأحمر.
يتحسّر «الكوشي» وأشقاؤه الذين كانوا من ابرز العاملين في صيد الاسفنج بواسطة الغطس على أعماق تصل الى الاربعين متراً، على أيام «عزّ بحر صور وجوارها»، الذي كان ملاذاً للحيوانات والكائنات البحرية، ومنها التوتياء الذي بدوره أصبح في «خبر كان». يحمّل الكوشي مسؤولية اختفاء الاسفنج والتوتياء وعدد كبير من انواع السمك الذي كان يعيش في بحر صور، للتلوث البيئي الذي يضرب الشاطئ اللبناني عموماً.
الاسفنح نوعٌ من الكائنات البحرية، كان يستخدم كمادة عازلة للصوت والحرارة في الطائرات، بالإضافة الى الاستعمال الشخصي، مثل الاستحمام. يعيد رئيس متحف «الحياة البحرية والبرية» في جعيتا الدكتور جمال يونس، الذي يحتوي متحفه على انواع عديدة من الاسفنج المحنط، اختفاء الاسفنج من بحر صور ولبنان وغالبية دول العالم، الى وباء «التبييض»اي ابيضاض الاسفنج، الذي أصاب الاسفنج؛ ويؤرخ يونس في دراسة توثيقية أعدّها حول الاسفنج وصيده في بحر صور، لبدء صيد الاسفنج في بحر المدينة على اعماق كبيرة.
ويذكر يونس أن أول من قصد بحر صور واصطاد الاسفنج فيه هو روبين البويري من البترون، وقد اصطحبه الى صور تاجر الإسفنج أبو ناصيف الشرتوني، الذي كان من أكبر تجار لبنان بتجارة الإسفنج في فترة الخمسينيات، وأحضر معه عدة الغطس السائدة في تلك الأيام والمعروفة «بالتنين» التي تزن نحو 200 كيلوغرام، يغطس من خلالها الصياد على عمق أكثر من خمسين متراً. ويقول إن سالم واكيم هو أول صوري بنى 4 مراكب لصيد الاسفنج بواسطة «كومبراسور» الهواء المضغوط.
وكان أشهر الغطاسين الصوريين في ذلك الوقت الياس الدرزي وشكرالله العبد الذي توفي أثناء الغطس ونقولا المادوح ولطوف شاهين وابو اسماعيل قصاب وابراهيم الفران (شيخ الضيعة)، وحسن صبراوي الذي توفي أثناء الغطس وعلي رشيد زيات الذي غرق في جزيرة أرواد في سوريا بحثاً عن الإسفنج، وأحمودي خرما والاخوان حسن وعباس حجازي (ابو الذهب)، وأبو غازي السمرة وأولاده، الذين أصيب أحدهم بشلل جزئي من جراء الغطس، وكانوا يبيعون الاسفنج لتاجر من آل شرتوني، يعمل على تصدير الاسفنج إلى اليونان وأوروبا.
جاء من بعد الشرتوني التجار الصوريون حسن عواضة وبولس غنيمة وابراهيم الفران (شيخ الضيعة) وآخرون كانوا يشحنونه الى قبرص واليونان، لأن الأسعار والطلب على الاسفنج كانا مرتفعين، إذ بلغ سعر الكيلو الواحد آنذاك خمسين ليرة لبنانية، أي ما يوازي 10 أضعاف سعر كيلو سمك «اللقز» الصوري.
ويلفت يونس الى أن «صيد الاسفنج بقي رائجاً في السبعينيات، لا سيما في فترة الحرب الأهلية، والتي سادت فيها الفوضى البحرية والصيد العشوائي بواسطة بالديناميت والمبيدات السامة»، مشيراً إلى انها «أثرت بشكل سلبي في التوازن البيئي، وبدأت نتيجتها الكثير من الاسماك والحياة البحرية بالانقراض».
يذكر أن اول الغطاسين للبحث وصيد الاسفنج هم الشعب اليوناني قبل ثلاثة آلاف سنة وكانوا يغطسون الى عمق يتراوح من 35 متراً إلى 60 متراً، وكانوا لا يخافون من الأعماق والظلام الذي يسوده والمخلوقات البحرية التي تعيش في تلك الأعماق كالأخطبوط العملاق وأسماك القرش.
ومن أشهر هؤلاء الغطاسين: الأسطوري جورجيوس هانتريس، الذي غطس الى عمق 80 متراً لمدة دقائق ووجد بقايا ياطر (مرساة) السفينة الحربية الإيطالية «ريجينا مارغريتا» في العام 1913.
حسين سعد
السفير بتاريخ 2015-08-03 على الصفحة رقم 4 – محليّات