أكّد عضو المجلس المركزي في حزب الله سماحة الشيخ حسن بغدادي في ذكرى عيد الجيش على أهمية هذه المؤسسة الوطنية، معتبرها حاجة لكلّ اللبنانيين بدون استثناء، ويجب احترامها وتقديرها ولا يجوز المسّ بها، وهي تشكّل ضمانة وطنية جامعة، ونحن نشدّ على أيديهم قيادةً وضباطاَ وجنوداً، ونهنئهم بمناسبة عيدهم.
وعن الحكومة إعتبر الشيخ بغدادي أنها المعقل الأخير في مؤسسات الدولة، وليس من مصلحة أحد الذهاب إلى الفراغ، فالحكومة هي الضمانة المتبقية في هذه المرحلة، التي يجب أن يبقى فيها لبنان بعيداً عن تداعيات ما يجري في المنطقة، معتبراً أنّ فريق 8 آذار أثبتت الوقائع أنه الأحرص على البلد وعلى مؤسسات الدولة من الفريق الآخر، وحتى أنّ الشارع بات يدرك ذلك، وموضوع النفايات في الأيام الماضية كشف ذلك، حتى أن شارعهم الذي كانوا يظنون أنه طوع يمينهم بات لا يصدقهم، وجاءت مواقفه مخيّبةً لآمالهم.
كلام الشيخ حسن بغدادي جاء في الندوة الفكرية التي أقامتها جمعية الإمام الصادق (ع) لإحياء التراث العلمائي بالتعاون مع إتحاد بلديات جبل عامل في بلدة (مجلد سلم) حول: (مدرسة الشيخ مهدي شمس الدين(قدس سره) في مجدل سلم وأثرها في القرن الثالث عشر هجري).
وحول العلامة المحتفى به الشيخ مهدي شمس الدين، قال: نحن نُكَرِّمُ عالماً من علماء جبل عامل، وهو العلامة الشيخ مهدي شمس الدين الذي عمل على إعادة الحياة العلمية إليه بعد النكبة التي أصابته على يد العثمانيين، وانتهت بهلاك الوالي العثماني أحمد باشا الجزار سنة 1804م.
فالشيخ مهدي شمس الدين كان يتمتع بمواصفات على الصعيدين العلمي والأدبي، مما أتاح الفرصة للعديد من طلبة العلوم الدينية الإستفادة منه، وكان من جملة تلامذته الأساسين العلامة الفقيه الشيخ موسى أمين شرارة الذي درس عليه كتاب(القوانين) في الأصول للمحقق القمي، قبل أن يذهب إلى النجف الأشرف لاستكمال دراسته.
في البداية درس الشيخ شمس الدين في جبل عامل على العلامة الكبير الشيخ عبد الله نعمة في (جباع) وتخرّج عليه في الفقه والأصول، وكان أحد الأساتذة الأساسيين في مدرسته، فكثير من طلاب مدرسة (جباع) درسوا على الشيخ مهدي شمس الدين، كالعالم السيد حسن يوسف مكي صاحب المدرسة الشهيرة في النبطية. وعندما قررّ الشيخ شمس الدين ترك (جباع) والذهاب إلى قريته (مجدل سلم) تبعه بعض الطلاب ومنهم السيد حسن يوسف مكي والشيخ عبد الحسين صادق الكبير، وفيها شيّد مدرسته التي ضمت العشرات من الطلاب، الذين كانوا يَنهُون دراستهم في المقدمات أو السطوح، قبل أن يتوجهوا إلى النجف الأشرف لاستكمال التحصيل، والعودة إلى لبنان وهم من أهل الفضل والمعرفة.
وفي موضوع النسب فآل شمس الدين نسبهم ينتهي إلى الشهيد الأول الشيخ محمد بن مكي الجزيني الذي قتله المماليك في دمشق سنة786هـ، فالشهيد إذاً، من عائلة علمية (آل شمس الدين) التي لها أيادي بيضاء على جبل عامل وسوريا والعراق وإيران والهند، وكان لها الحضور العلمي والأدبي والإجتماعي الواضح على امتداد قرون من الزمن، أي ما قبل الشهيد الأول إلى زماننا.
ثم كانت كلمة لرئيس إتحاد بلديات جبل عامل الحاج علي الزين حول تأثير هذه المدارس على المنهج الثقافي في قرى جبل عامل، معتبراً أنّ علماء جبل عامل كانوا يجدون ضرورة ملحة في مقاومة الغزو الثقافي من قبل الدولة العثمانية بعد أن قاموا بإنشاء المدارس الرسمية بالسلطنة المسماة أميرية، فبدأوا بالتصدي له من خلال دعمهم لتأسيس المدارس الدينية رغم قلة الإمكانيات، حيث نشأت الكثير من المدارس الدينية منها شقراء، بنت جبيل ، جباع ، النبطية، الكوثرية، حناويه، كفرا وأنصار.. فكان للعلماء دورٌ في تحصين المجتمع العاملي و إبراز هويته القومية العربية .
و لقد لعبت مدرسة الشيخ مهدي شمس الدين دوراً في تخريج جيل من العلماء ساهم في إعادة النهضة العلمية إلى جبل عامل بعد نكبة الجزار على المستوى الثقافة السياسية فكان منهم السيد محسن الأمين طاب ثراه.
ومؤكداً أنّ المنهج الذي سلكه علماؤنا ترك لنا ذخيرة ثقاقية لا يجوز إغفالها، ــ رغم كل التحديث الذي أصاب التعليم و مناهجه ــ وهذا ما ثبت اليوم في الواقع السياسي و الثقافي حيث أنّ العلماء و الحوزات هي من خرّج أجيال القادة و الشهداء، و إشعاعها الثقافي والديني كان مصدراً للتأثير على أبناء المدارس و الجامعات الحديثة.
وأضاف قائلا أننا اليوم أمام غزو ثقافي و حرب ناعمة تدخل عبر تكنولوجيا الإعلام والإتصال بكل أشكالها الجاذبة و المتداولة و يحاول هذا الغزو تغيير الأوضاع الإجتماعية و التأثير على المعادلات السياسية و الثقافية لأهل جبل عامل و الشعب اللبناني و المنطقة عامة. و للعلماء دور بارز في صدّ هذه الموجات الغازية من خلال مدارسهم و معاهدهم وتصديهم الإعلامي و السياسي للمقولات الثقافية الباطلة، ورعايتهم للمؤسسات الإجتماعية و توجيهاتهم السياسية، و ستبقى الحوزات الدينية السلاح الأكثر فعالية في منظومة الأمن الثقافي لجبل عامل و هو ما يعكس قوة لكل أبناء المنطقة.
كما ألقى إمام البلدة رئيس لقاء علماء صور سماحة الشيخ علي ياسين كلمة بالمناسبة، تحت عنوان أهمية الحضور العلمائي في تعميق التدين و الإصلاح الإجتماعي في قرية مجدل سلم و عموم قرى جبل عامل، حيث أكد على أهمية حضور علماء الدين منذ القدم في (مجدل سلم) و منهم المحتفى به المقدس الشيخ مهدي شمس الدين، الذي ترك أثراً طيبا لا زالت المنطقة تنعم ببركاته. لقد أدركت منذ طفولتي بعضاً من كبار السن الذين كانوا قريبين من عهده، وهم يتحدثون عن مدرسة الشيخ مهدي و عن بركاته التي تركها في مجدل سلم و القرى المجاورة.
هذه المنطقة التي عانت الكثير من الإحتلالات المختلفة و الذي كان آخره الإحتلال الإسرائيلي، كان لعلماء الدين و للمدارس الدينية الدور الكبير في مواجهة هذه الإحتلالات، و استنهاض المجتمع بكل أطيافه لعدم الترحيب بالإحتلال و لمواجهته بالسلاح، و هذا ما عشناه نحن في هذه القرية المجاهدة و المضحية و في بقية القرى و المدن في جبل عامل، و كيف رأينا المجاهدين ينتصرون على هذا الاحتلال، و نحن اليوم نعيش ذكرى انتصار تموز 2006 م التي أذاق فيها مجتمع المقاومة و شبابه ألم الهزيمة التي لن ينساها العدو طيلة وجوده.