أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

إفتخار شرارة: مؤونة بنت جبيل تغزو العالم

الثلاثاء 11 آب , 2015 06:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 10,343 زائر

إفتخار شرارة: مؤونة بنت جبيل تغزو العالم

بين أشجار الزيتون المعمّرة، تعيش الحاجة إفتخار كامل شرارة في منزلٍ صغيرٍ في بلدة بنت جبيل الجنوبية. وهي التي بنت كلّ حجرٍ في المنزل بمفردها بعد أن تركتها والدتها وحيدةً تحارب لقمة عيشها في هذه الحياة. لا أنيس لها غير الله، "لا أمٌّ ولا أبٌ ولا أخت ولا أخ" تكرر دائماً، ولا حتى ولد.

الجميع في بنت جبيل يعرفون إفتخار، فمن هو أشهر منها في تحضير مؤونة السنة بيديها من كمون وفريك وزعتر بلدي وغيرها من البضاعة المنزلية لبيعها للزبائن.

تجلس على الأرض بهمّةٍ كبيرة، تفرش أمامها أكياس الكمون لتنقيتها حبةً حبة. لا تتعب ولا تمل. وبيديها المتشققتين، تحمل "دقماقة" الخشب القديمة وتطحن بها الزعتر البلدي. في وجهها كهولة عمرٍ تجاوز الخامسة والسبعون، وفي عزيمتها ايمانٌ بأنّ الله "يبلي حتى يعين".

تروي لنا الحاجة إفتخار قصتها في تحضير المؤونة منذ أكثر من 20 عاماً. "لا أحد يعاونني بها غير الله" تقول بإبتسامة. "في موسم الزعتر، اذهب الى قرى مارون ويارون "وأنقّب" الزعتر والسماق بيدي. أرجع الى البيت "وأدّقها" على يدي وليس بجاروشة البلدة كما يفعلون في هذه الأيام. أمّا بالنسبة للكمون، فأذهب الى بيروت وأحضر بضاعتي من هناك بعد أن داقت بنا السبل للوصول الى سوريا حيث يُباع الكمون بوفرة".

"للكمون حواجه الخاصّة"، تضيف شرارة. "أشتري صناديق من الحرّ الأحمر، أكسّرها ثم أنشرها على السّطح حتى تجف وتيبس، ثمّ أخلط الكمون والحرّ مع البهارات الخاصة لتصبح جاهزة للبيع".

اعتاد زبائن الضيعة والجوار على البضاعة الجيدة عند الحاجة إفتخار. "يأتي إليّ زبائنٌ من أميركا وأستراليا والحوش في صور وأهل يارون وكل المغتربين. وفي سوق الخميس الشعبي اعرض بضاعتي على بسطة صغيرة. يمر الناس من حولي سائلين عن الأسعار، فتكون أغلى من البسطات الأخرى عادة. يدورون كثيراً في السوق ثم يعودون ليشتروا من عندي لأنّ شغلي نظيف"، تقول بثقة.

تقضي الحاجة افتخار يومها كلّه في تنقية شوالات الفريك والكمون. "أبيع بحقّ الله وآخذ القرش بالحلال" تقول شرارة، لافتةً إلى أنّها لا تأخذ الكيس كما هو وتطحنه كما يفعل الباعة الآخرون.

بات سوق الخميس الشعبي في بنت جبيل إحدى أساليب الحياة عند الحاجة افتخار منذ أكثر من عشرون عاماً. فهي اعتادت على فتح البسطة كلّ صباح ليتمكن زبائنها في القرى المجاورة من شراء حاجاتهم. "أنزل الى السوق عند السادسة صباحاً من كل خميس برفقة جارنا أبو علي من عيناتا، أعرض بضاعتي، وعند الثانية ظهراً أعود الى البيت بما أنتجت من مدخول بفضل الله وكرمه. أمّا في أيام الشتاء فلا أنزل الى السوق بل أكتفي بالبيع في المنزل إذا قصدني أحد الزبائن".

للحاجة افتخار بعض المآخذ على مسؤولي البلدة. "مذ أن بدأت البيع في سوق الخميس لم أدفع أجار البسطة يوماً. وعند استلام اعضاء البلدية الحاليين مهامهم، أجبروني على الدفع، فتوجهت الى رئيس البلدية الحاج عفيف بزي وأخبرته إنّني لن أدفع بعد الآن".

لا تضيّع الحاجة افتخار قرشاً واحداً من مدخولها السنوي في غير سبيل الله. إذ تذهب الى الحج والعمرة وزيارة الأولياء الصالحين كلما أذن الله لها بذلك. "ذهبت الى الحج 13 مرة، 8 مرات الى العمرة، 14 مرة الى المقامات الدينية في ايران، 13 مرة الى العراق ايضاً وأريد لحدي عند أمير المؤمنين في دار السلام انشاء الله" تقول بإبتسامة.

لم تترك الحاجة افتخار بيتها خلال الاحتلال الاسرائيلي في الثمانينات، وبقيت مواظبة على عملها طوال الوقت. لكنّها اضطرت للخروج من البلدة في حرب تموز عام 2006. "تهجرنا من بنت جبيل لفترة قصيرة، لم أشأ ترك المنزل لأكثر من 10 أيام. وعندما عدت اليه، اتلفت نصف المؤونة التي كنت بدأت بتحضيرها قبل اندلاع الحرب بسبب الشظايا والزجاج" تقول بحسرة. تصمت قليلاً وتضيف: "الحمد الله دائماً وابداً".

لا تفكّر الحاجة افتخار بترك بنت جبيل والنزول الى بيروت يوماً. "ما إلي شغل بالمدينة، بدي روح اخدم الناس هونيك" تقول ضاحكة، مشيرةً إلى أنّها اعتادت على جو الألفة والمحبة بين أهل الضيعة، وكما يقول المثل الشعبي "محل ما بترزق إلزق".

بتول بزي - مختار 

http://www.mo5tar.com/manchetteid/623

 

Script executed in 0.18697595596313