أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

حسن حجازي ورحلة العيش مع الـ «أنتيكا»

السبت 15 آب , 2015 08:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 12,974 زائر

حسن حجازي ورحلة العيش مع الـ «أنتيكا»

 توجّب عليهم البحث عن بديل يوفر لعائلاتهم الفقيرة سبل العيش، فكانت بيروت.

كان حجازي في الثالثة عشرة من عمره عندما وطأت قدماه شوارع بيروت أول مرة، آتياً من بلدة ميس الجبل. وجود شقيقه الأكبر الذي سبقه إليها بأعوام، لم يخفف عنه عبء البحث عن عمل وسكن. يقول: «نزلت إلى بيروت بعد النكبة بكم سنة، واشتغلت بكل شيء، ما خليت شغل يعتب عليي، من بيع الأكياس الورقية إلى بيع الخضار فضلاً عن العتالة». لبث على هذه الحال عشر سنين ليدخل إلى عالم الـ «أنتيكا»، حيث شق طريقه إليه من الصفر. فقد كان يشتري خزائن الموبيليا ثم يقوم بتصليحها وبيعها. لم تتأت خبرة حسن حجازي في عالم «العتق» لاحقاً من تجارته في الموبيليا فحسب، بل من الربح بالقطع التي كان يبيعها، إضافة إلى فضوله الزائد في البحث في أنواع قطع الأنتيك ومصدرها وميزتها وتاريخها.

وجود تجار الـ «أنتيكا» المهمّين في وسط بيروت القديمة وتحديداً في باب إدريس من عائلة الطرزي وغيرها، سهّلت عليه ولوج عالم بكر بالنسبة إليه. هكذا، «تعلمت المصلحة واختبرتها بنفسي. فكنت أشتري البضاعة ثم أبيعها وأربح وأخوض في التفاصيل»، يقول حجازي الذي لم يطل به الزمن حتى افتتح محل أنتيكا صغيراً في منطقة البسطة التحتا، وذلك في اوائل الستينيات من القرن الماضي. هو المكان نفسه الذي تحول اليوم إلى سوق كبيرة «للعتق»، كان يضم في ما مضى، وقبل قدوم حجازي، أربعة محال فقط لأصحابها محمود شرف الدين، أحمد علول، أبو علي بدير وأبو شرّ. لم يبق من هؤلاء حياً إلا حجازي الذي تخطى السبعين.

رؤساء.. وهواية

من محلّ صغير مفتوح على بيت قوامه غرفة للعم وعائلته، استطاع ابو محمد حجازي نسج علاقات وثيقة مع «الناس الكبار، من رئيس الجمهورية وبالنازل». هؤلاء هم زبائنه الذين لم يتخط عددهم بحسبه، أصابع اليد. كانوا ذواقة وأصحاب دراية وعلم واسعين بعالم «العتق». منهم، ايزابيل خوري زوجة خليل تقلا وزير الخارجية اللبناني آنذاك، إلى فاروق ابي اللمع ورشيد الصلح، فضلاً عن الرئيس رينيه معوض، الذي «كان يجي يقعد هون على هذه الكرسي». من هؤلاء أيضاً من قرر أن يحوّل بيته «متحفاً». فقد حقق الطبيب الجراح فريد سرحان «حلمه» بمساعدة حسن حجازي، الذي كان يصطحب الاخير معه في أسفاره للعثور على قطع «نظيفة». يفصح حجازي بأن قصر فريد سرحان في جزين بعد وفاته «بيسوى اليوم ملايين الدولارات».

لم تقتصر أسفاره على مرافقة زبائنه. فالبحث عن القطع القديمة والنادرة شبه أساسي في تجارة «العتق». خاصة أن «البضاعة المنيحة اهمّ من المصاري ومش كل ساعة بتلاقيها». هكذا كان يمضي أياماً في البحث عن بضاعة في كل من تركيا ومصر وإيران، إضافة لزيارات أسبوعية إلى الشام.

حجازي الذي علّم اولاده الثلاثة تجارة «العتق» ليفتتحوا محالهم، إلا واحداً درس الطبّ، يشير إلى أنه علّم العديد من غير أولاده هذه المصلحة وصاروا تجاراً. يجزم أيضاً بأن جزءاً يسيراً من زبائن اليوم يجهلون الكثير عن عالم الأنتيكا، حتى يقعوا في شرك بعض التجار المخادعين، إلا أولئك أصحاب الباع الطويلة فإنهم يطلبون قطعاً محددة.

العمّ مهووس بتجارته. قضى ما يربو على الستين عاماً من عمره فيها. يرى فيها مصلحة وهواية في آن. يحلو له أن يرى القديم حتى لو لم يكن في حاجة إليه، وعندما يعثر على مراده يشعر بأنه ربح جائزة. «انا عايش مع «العتق» بالمحل اكثر من البيت. بحبن، بنبسط فيهن متل شي أكلة طيبة»، يقول.

من إيران إلى أوروبا

يمتلئ محله بالتركي والإيراني والمصري والسوري القديم، إضافة إلى الأوروبي. طقم السفرة الــ «سيفر» ماركة «تاج الملك» والمكون من 96 قطعة والتي تعود للعام 1833 ليست أقل الموجود هنا. من العاج الأفريقي إلى السجاد العجمي القديم ثم الأواني الخزفية التي كان يصنعها الحرفيون اليهود السوريون وصولاً إلى تلك التشيكوسلوفاكية منها والمصنوعة يدوياً أيضاً. يشير حجازي إلى أن الجديد يصنع بكميات كبيرة اليوم داخل قوالب جاهزة، فيما القديم كانت تصنع القطعة منه يدوياً ولمرة واحدة، بحيث يستحيل العثور على أي قطعة أصلية شبيهة لها.

اختلاف الثقافة بين جيل وآخر، يعتبره حجازي سبباً في تخلي البعض عن «كنوز» بيوتهم القديمة، حيث لا يعيرون أثاثها أي قيمة فيبيعونه لأول تاجر يطرق أبوابهم. في المقابل هناك من يستحيل أن يبيع قديمه. فالهاوي، برأي العمّ، يتشبث بما يملك، لا يبيع إلا في حال واحدة، عندما يكون في حاجة ماسة إلى المال. ويضيف أن الامر بات يؤثر سلباً على تجار «العتق»، ذلك أن سوق المشتريات أصابها الشحّ والأسعار آخذة في الارتفاع.

فقد حصل مرة وبدافع من العلاقة الوطيدة لحسن بأحد الزبائن، أن عرض على الآخير شراء قطعة بأربعين ألف دولار كان حسن باعه إياها قبل عشرين سنة بأحد عشر ألف دولار، إلا أن الزبون رفض.

لم يشتر حجازي بضاعة مهربة في وقت كانت فيه أحياء بيروت فارغة من سكانها إبان الحرب الاهلية. «كنت أقدر وقت الحرب أن أنزل إلى المرفأ وأملأ شاحنة بـ 1000 ليرة لبنانية. لكني لم أفعل ولن. فهذا حرام. المال الحلال يذهب أما الحرام فيذهب هو وأهله»، يقول. لم تعد إيران، برأي العم، مصدراً مهماً لشراء الأنتيكا، «فقد أدت الحرب العراقية الإيرانية إلى تدمير وتهريب الكثير منها، وإن وصل بعضها إلى لبنان فيكون مكسوراً».

لا تقتصر حركة زبائن ابو محمد على اللبنانيين المقيمين، بل هناك آخرون يتصلون به من الخارج ليوصوه على قطع محددة يشحنها لهم بحراً وجواً. أما بعض مهندسي الديكور في الأفلام والمسلسلات ذات الطابع التاريخي، فيلجأون إلى حسن حجازي ليؤجرهم الأثاث القديم. لا يذكر حجازي منها إلا فيلم «الأجنحة المتكسرة».

يقول حجازي إنه، وبعد مضي ما يقرب من الستين عاماً على دخوله تجارة الـ «أنتيكا»، لم يستطع اقتناء اي من القطع التي كان يشتريها، لأنه «ربّ الأسرة، ومن البداية كنت أطمع بالمال، فلا أحتفظ بأي قطعة، ولم أتمكن من فعل ذلك حتى الآن».

علي السقا

السفير بتاريخ 2015-08-15 على الصفحة رقم 4 – محليّات

Script executed in 0.19361710548401