بالنسبة لأبناء عيترون، يبدو الأمر طبيعياً، إذ إنّ غالبيّة القرى الجنوبيّة لا تنفكّ تترقّب عودة أبنائها الغائبين، إمّا أبطالاً أحياءً أو أبطالاً برتبة شهداء.
وبالإضافة إلى هذا الترقّب، فإنّ الهمّ الذي يشغل هؤلاء هو حالة من «القرف» المنتشرة عند السواد الأعظم بسبب الأحوال المعيشيّة.
هم يرفضون التسليم بأن يكون المواطن مسؤولاً عن تأمين الحدّ الأدنى من حقوقه في الخدمات التي يفترض أن تقدّمها الدولة. ومع ذلك، فإنّه في عيترون ـ كما سائر القرى - قامت البلدية على نفقتها الخاصّة بمدّ شبكة كاملة من الأسلاك الكهربائية على منشآت الدولة (أعمدة)، حيث جرى تركيب ساعات كهربائية بديلة ليتمّ ربطها بخمس مولدات كهربائية كبيرة، بحيث يتمّ تشغيل أربعة منها بشكل متواصل، فيما الخامس في وضعية الاحتياط.
ويتحدّث رئيس البلديّة حيدر مواسي لـ «السفير» عن اضطرار البلديّة إلى ترميم شبكة كاملة من الكهرباء وصلت كلفتها إلى أكثر من 250 ألف دولار بهدف «تسيير حياة الناس، كي لا تتكرر هجرات الريف إلى المدينة بشكل كبير».
يريد مواسي تثبيت صمود الناس في أرضهم، بالإضافة إلى تأمين حقوقهم في ظلّ غياب كامل للدولة عن المنطقة.
وقد وصل عدد المشتركين في «كهرباء عيترون» إلى ألف مشترك، ما يعني أنّه يقارب رقم المشتركين في «كهرباء لبنان». إذ يبلغ عدد المشتركين 1500 في «كهرباء عيترون»، ويضاف إليهم 150 شخصاً ينتظرون إنجاز معاملاتهم ليتسنّى لهم الاشتراك فيها. ولكن، إذا ما احتسبنا المغتربين من أبناء عيترون وأولئك الذين يسكنون خارجها ولا يأتونها، فإنّ عدد المشتركين في «كهرباء عيترون» يتجاوز «بالخدمة الفعلية» المشتركين في «كهرباء لبنان».
وسريعاً، تحوّلت «كهرباء عيترون» إلى ضرورة. فالتغذية بالكهرباء تكون خلال النهار ساعتين لتعود وتقطع لمدّة ساعتين. أما في الليل فإنّ الكهرباء تأتي كلّ أربع ساعات.
ويبلغ اشتراك «كهرباء عيترون» 15 ألف ليرة لبنانية كبدل عن صيانة، لتضاف إليها قيمة صرف الكهرباء وفق العداد الكهربائي (أي دفع ثمن ما تستهلكه)، فيما يبلغ اشتراك الكهرباء 10 أمبير 20 ألف ليرة عن شهرين. أما بالنسبة للمصروف الشهري، فإنّ البلدية تدفع ما يقارب الـ20 إلى 25 مليون ليرة ثمن المازوت للمولدات في فصل الشتاء، فيما يتضاعف الرقم الى 50 مليون في فصل الصيف.
وبالتالي، يمكن فهم الجهد البلدي والإمكانات المتواضعة لسد النقص الكبير جراء غياب خدمات الدولة عن المنطقة. فقد يستطيع سكّان المنطقة التأقلم مع الوضع، إن كانوا يستطيعون إليه سبيلاً مادياً. ولكن ماذا عن أولئك الفقراء الذين لا يملكون إلا ما تجنيه لهم الارض بين موسم وآخر؟