كادت اسرار المونة ان تقل بعد غزو الاسواق المحلية بالمنتجات الجاهزة، حيث نسبة كبيرة من ربات المنازل "نسين" هذا الطقس القروي، الذي بات يقتصر على الكبار. بينما لا تزال معظم القرى والبلدات الجنوبية تحافظ على تراث تربّت عليه الاجيال، ففي بلدة قلاويه الجنوبية لا تزال الحاجة فاطمة عليان تعد المونة من البرغل الى الكشك، مربى البندورة والبندورة المجففة الى الصعتر والشراب والتين المجفف، كما تحافظ على حرصها أن تشمل مونة الشتاء كل "اسراب المونة" حسب توصيفها.
سلق القمح
امام "جاط" القمح تجلس، وتراقب عملية سلق القمح، كل العائلة تتشارك في ذلك التقليد، بدءًا من غسل القمح الى سلقه في خلقينة كبيرة، وهو وعاء حديد كبير يُسلق داخله القمح ثم يفلش على السطح تحت اشعة الشمس، حتى يجف لينقل بعدها الى الجاروشة فيتحول الى سميد كبة وفلفلة وطحين. بالنسبة الى الحاجة فاطمة، ففي العمل متعة ولذة، أفليس أجمل من التعب في سبيل لقمة العيش، هناك حيث كان "الحي بأجمعه يجتمع لاعداد المونة، عكس هذه الايام، حيث المأكولات الجاهزة باتت المطلب، للاسف بلا ذوق ولا طعمة".
السميد أولوية
ويعتبر السميد ركنا من أركان المونة فيدخل في إعداد "كبة اللحمة، كبة العدس، المجدرة"، ومع اطلالة شهر آب يبدأ العمل بالمونة الذي يستمر حتى ايلول وتنهمك ربات البيوت بتحضير الكشك البلدي او كما هو متعارف عليه بالذهب الابيض اضافة الي تجهيز القاورما. ولا تغفل السيدات عن تجهيز الصعتر، الذي يُفترض ان يُدق تحت اشعة الشمس بما يستهلك عملاً يتجاوز الست ساعات. "المونة تاج المنزل"، مقولة يتداولها الجنوبيون، بما يؤكد أهميتها في حياتهم حيث يحرصون على جعلها تكفي فصلاً بأكمله من الشتاء. وتجسد المونة اصالة القروي الذي باتت تختفي تدريجيا مع تطور الحياة وإحتلال الآلة لكل شيء ومع ذلك لا تزال أم حسين تعد المونة من الصعتر الى اللبنة "المكعزلة" والكشك والملوخية والعدس وغيرها. أكثر من شهرين تمضيها أم حسين في إعداد المونة "يلي بيتو بلا مونة ما إلو معنى لحياته لأنها عماد المنزل"، ترمي أم حسين بكلماتها على أكوام الملوخية التي تعمل على قطافها ساعات طوالا تمضيها في القطاف والملوخية جزء أساسي من المونة وهي ذات فوائد صحية جمة.
ملوخية وعدس
تعتبر الملوخية والعدس والبقوليات والسمسم من أساسيات المونة الجنوبية فأغلب الأكلات تعتمد عليها حسب أم حسين "من كبة الحيلة الى الرشتاية والعدس بحامض والفاصولياء بزيت وغيرها" وتلفت أم حسين الى أن "الزمن تحول وباتت المعلبات تجتاح المنازل فيما المونة البلدية صحية ولا تدخلها المواد الحافظة ولكن شو بتقول للعصرنة".
في الباحة الخارجية لمنزلها تنهمك أم ياسر بإعداد شراب "رب البندورة" وهو ركن أساسي في المونة، وحسب أم ياسر التي تحرك الشراب الذي وضع في وعاء نحاسي "اوقدت تحته الحطب "بات كل مواطن يتوق لتذوقه نظرا لمذاقه الطيب" يمر الشراب بعدة مراحل "بعد قطاف حبات البندورة الحمراء من الحقل نسطحها تحت اشعة الشمس لعشرة ايام، بعدها نقوم بعصرها وتصفيتها من البذر ثم توضع على النار وبعد مرور ساعة على غليها نسحب منها المياه لنضعها مجددا على السطح تحت اشعة الشمس لتجف وتعلب في مرطبانات".
الذهب الأبيض
تستحوذ المونة البيتية اليوم على اهتمام السيدات بعد ان استفحلت الامراض وساد التلوث، ويحتل الكشك البلدي مكانة رائدة عند مريم عليان فهو "الذهب الأبيض" الذي يؤكل ساخنا، وتحرص مريم ان تعده كل موسم "لانه يتناسب مع الشتاء عدا ان الكشك غذاء صحي وذو مذاق طيب" حسب توصيفها يتطلب الكشك وقتا اطول من رب البندورة فهو يمر بعدة مراحل "يبدأ من خلط لبن البقر والماعز والحليب والسميد الخشن معا ثم تركها اسبوعا بعدها يجري وضعها تحت اشعة الشمس لتجف الحبوب قبل ان تنقل الى الجاروشة لتتحول كشكا حيث كان قديما يعد وجبة اساسية على المائدة ويؤكل مع الخبز المرقوق الطازج ويتم وضع القاورما داخله.
طعام صحي
أعمال شاقة تقوم بها السيدة لتعد المونة ومع ذلك لم تتخل عنها بالنظر الى الحاجة الى مصدر طعام صحي بلدي غير خاضع للآلة، على قاعدة "من لا يملك مونة لا يملك حياة" حسبما يردد البعض، ، ولا يختلف اثنان انها تحتل مكانة رائدة في حياة اهل القرى، فهي تسهم في التخفيف من وطاة المصروف وتدخل السكينة الى ربة العائلة التي تملك خيارات الاكل من حواضر البيت، لتطهو المجدرة، كبة العدس، الرشتاية، كبة الحيلة كشك بقاورما، الفريك المدخن السماق وغيرها وتخفف من أكل اللحوم والدجاج التي كانت سابقا تؤكل مرة في الاسبوع".
عادت المونة لتتربع على عرش المنازل بعد أن تراجعت في الآونة الاخيرة، صحيح أن نساء قليلات يعملن بها ولكن باتت تستحوذ على اهتمام سيدات المدن وحتى الأرياف وبات الكشك والملوخية والسميد والعدس جزءا من مونة اي بيت الذي بدأت سيدته بالإبتعاد عن المعلب على قاعدة "من فات قديمو جديدو ما بيدوم".
رنا جوني
البلد